لي صديق من مملكة البحرين يتعجّب ويتندّر كلما مرتْ عليه الكلمة " مُتسبب " وقد جاءت في الهوية أو جواز السفر السعودي في خانة المهنة . يقول إن المفردة تعني في أكثر بلدان الخليج ( يتحدّث عن البحرين ) " مثير مشاكل " . وهو يعجب كيف يمر السعودي من المراكز الحدودية ومهنته تلك ؟!. وفي السنين الأخيرة تخلّت المملكة العربية السعودية عن الكلمة أو حاولت في وثائقها التي تزوّد بها الناس ، رغم وجود مستندات قديمة يحمل أصحابها المفردة . وكلمة " مُتسبب " عندنا هي أيضا حديثة العهد . فلم تكن موجودة قبل قرن ، أي سمعنا بها واستعملناها منذ بدء إصدار التابعية ( الصّح التبعية ) . ورأى بعض الولاة العثمانيين أن إعطاء اسم حرفة لشخص ما ، هي تسهيل للدلالة . فأثناء حكمهم الوطن العربي كثّروا ترداد الأسماء المشتقة من الحِرَف . لأن هذا أسهل لهم من حفظ أسماء عربية صرفة مثل فلان بن فلان الفلاني ، فكان الوالي يكتفي بذكر حرفته أو ماذا يعمل . مع أن مهناً مثل الورّاق والجزار والإسكافي كانت معروفة في عصور عربية خلت . وأهل مصر ابتدعوا ألقاباً . فتعريف المحامي هو محام ، والطبيب طبيب والمزارع مزارع . وخلقوا لقباً جديدا لمن هو لا هذا ولا ذاك ، لكنه يتمتع بالوجاهة والثراء فقالوا في خانة المهنة " من ذوي الأملاك " تلاحقه في كل مستنداته القانونية . ولمكانة النقل عندنا في شبه الجزيرة ، هناك فئة تأخذ منزلة بارزة في القوة والصبر والعنفوان وأيضا الخشونة ، يسمونهم " الجماميل " الواحد منهم جمّال . يعرف سمات أنواع الإبل وميزاتها، وقدرتها على الحمل والسير والتغلب على مصاعب الأحمال . وكان الناس يصفون الفتى الرخو بأنه " ما يخاوي الجماميل " أي : غير قادر على مصاحبتهم وتحمّل ما يواجهونه من متاعب. وفي كل معاجم اللغة العربية لم أوفق في العثور على كلمات أو تعبيرات تدل على معنى الكلمة ، أقصد " مُتسبب " أو أنها شيء ذو صلة بمهنة أو حرفة أو حتى وسيلة عيش . وستجد الأحوال المدنية نفسها في راحة تامة لو قام المجتمع بتأسيس نقابات أو جمعيات مِهَن . ففي البلدان الأخرى تُخرج الدولة نفسها من ضيم وعبء ماذا يعمل هذا وذاك و" كارت النقابة " هو الذي يؤهّل المحامي لدخول المحاكم والترافع . وبطاقة جمعية الأطباء أو المهندسين أو الممرضين .. وتطول القائمة ، هي المعرّف والمؤهل . ولا دخل للخدمة المدنية أو أيّ وزارة من وزارات الدولة بتحديد ما يتخذ الإنسان من وسيلة عيش .