لا يقل خطر تحيز مسؤول إلى مهنته عن ذات الخطر الناجم عن تحيزه لقريب أو صديق أو صهر أو ممارسته لأي نوع من أنواع التحيز للمتقاعس على حساب المجتهد وللسلبي على حساب الايجابي وللجامد على حساب المبدع. وليس أضر على المسؤولية الجسيمة من شخص يملك قدراً كبيراً من روح النقابة تجعله يعتقد أن زملاء المهنة يجب أن يكونوا دوماً محل الثقة الادارية ومنزهون عن كل عيب ويفترض تقديرهم وحمايتهم وتمييزهم عن بقية الموظفين ليس لكفاءتهم أو تميزهم ولكن تعصباً للمهنة التي ينتمي هو وهم لها. في مجتمعنا على وجه العموم وفي مقرات العمل على وجه الخصوص تتفاوت درجة روح النقابة أو التعصب لمنسوبي المهنة الواحدة بين مختلف المهن ومنها الهندسة والمحاسبة والطب والمحاماة والصيدلة ويبدو من الواضح جداً ان أشد حالات التعصب للمهنة أو أعلى درجات روح النقابة، تتوفر لدى الأطباء دون منازع، ويبدو ذلك جلياً في حرص الأطباء على إبقاء الطبيب في منأى عن النقد والمحاسبة والتخطئ بل ومنحه الثقة في ممارسة أعمال ليست ضمن خبراته ولا مؤهلاته كالادارة في كل مجال له علاقة بالصحة، وكما ذكر الدكتور غازي القصيبي في كتابه «حياة في الادارة» لم يكن من مهام أي من وكيلي وزارة الصحة ضرب الحقن أو كتابة الوصفات، إلا ان سيطرة الأطباء المطلقة، تخطيطاً وتنفيذاً، على القطاع الصحي في الدول النامية جعلت الناس يستغربون عندما يجدون غير الطبيب في موقع قيادي من مرفق صحي». انتهى ما ذكره القصيبي، وقد أشار في موقع آخر من كتابه إلى انه بحكم غريزة البقاء، اضافة إلى روح النقابة ينزع جهاز الوزارة إلى الوقوف، صفاً واحداً، ضد شكاوى المواطنين. أ.ه. ومن مشاهداتي ان المهندسين أقل المهنيين تأثراً فلا تكاد روح النقابة تتدخل في عملهم مطلقاً وهذا محمود، ودلالة وعي، ويتساوى المحامون مع المحاسبين في حماسهم لتفعيل أنظمة المهنة وأخلاقيات عملها دون تأثر عمل المسؤول بكونه محامياً أو محاسباً. أما الصيادلة فيعملون على الاقناع بأهمية تخصصهم وصورته الحقيقية ويبدون فخورين بالانتماء إلى مهنتهم لكنهم يهربون عن لقب صيدلي ما أمكنهم ذلك إلى لقب دكتور وخلافه. مربط الفرس أن من يتولى مسؤولية قيادية في مجال ما يرتكب خطأ فادحاً في حق الوطن أولاً وحق نجاح العمل وحق زملائه ونفسه إذا سمح لروح النقابة بأن تتدخل في مسؤولياته الجديدة البعيدة كل البعد عن تخصصه والقريبة كل القرب من جانبه الاداري البحت. لقد أدى ارتفاع روح التحيز إلى المهنة وتدخله في صنع القرار إلى ولادة نظم واجراءات بعاهات خلقية استدعت سنوات من العلاج والتعديل واستطاع كل من لديه قدر بسيط من الادراك أن يدرك اعوجاجها بعد التطبيق ولعل لائحة الوظائف الصحية أو ما يسمى بسلم الوظائف الصحية أكبر دليل على ذلك حيث أدخل عليه عدد كبير من التعديلات بعد صدوره بفترة وجيزة لأنه لم ينصف الآخرين من أعضاء الفريق الصحي لسبب بسيط هو أن من «استشيروا» فيه بحكم موقعهم في المسؤولية آنذاك كان لديهم قدر عال من روح النقابة لمهنتهم وقدر قليل من المسؤولية، فأحكموه لمصلحة مهنة الطب على حساب عدة مهن لازال بعضها يشتكي حتى اليوم. ولا اعتقد اننا في حاجة إلى مزيد من الأخطاء الناجمة عن التمييز المهني لدى من حملوا المسؤولية فحذار من روح النقابة في غير محلها حتى لا نهدم ما بناه الحياد.