دعا الخبير الاقتصادي "د.إحسان علي بوحليقة" إلى اعتماد أسلوب الدعم الموجه لمساعدة الفئات الفقيرة وقليلة الدخل من ارتفاع الأسعار، بدلاً من زيادة الرواتب التي ستفاقم الضغوط التضخمية والغلاء في المملكة، نافياً أن يكون قد طالب بزيادة الرواتب بصورة عامة لجميع الشرائح لما لذلك من تأثير مباشر في ارتفاع الأسعار، ما يؤدي إلى تقليص القيمة الشرائية للريال، ما يجعل - في المحصلة النهائية - زيادة الرواتب غير ذات تأثير يذكر. وقال إن مطالب البعض بزيادة الرواتب للجميع لن تساعد في السيطرة على التضخم، أو تحسين مستوى المعيشة للفئات المستهدفة، موضحاً أن أية زيادة لرواتب موظفي الحكومة ستعني زيادة الطلب على السلع والخدمات، وهو ما سيؤدي إلى أمرين ضاغطين، أولهما ارتفاع الأسعار نتيجة لارتفاع الطلب الناتج عن زيادة رواتب موظفي الدولة، والثاني الضغط على القطاع الخاص لزيادة مرتبات موظفيه، مما سيؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج؛ باعتبار أن تكلفة اليد العاملة هي أهم بنود التكلفة الإنتاجية، وهذان سيؤديان إلى ارتفاع الأسعار، فيرتفع سعر ذات السلعة أو الخدمة التي كانت بريال مثلا إلى أكثر من ذلك، وهذا يعني عدم استقرار الأسعار، وبذلك تدخل البلاد مجدداً في دوامة الضغوط التضخمية العالية، التي عانى منها الاقتصاد المحلي في الأعوام 2007-2009. أعلى إنفاق حكومي وأشار "بوحليقة" إلى أن تحسين معيشة المواطنين عموماً هو المستهدف من الإنفاق الحكومي الذي يشهد وتيرة متصاعدة عاماً بعد عام، حيث متوقع أن يصل إلى أوجه في العام المالي الحالي 2010؛ حيث أعلن أن الإنفاق التقديري سيبلغ 560 مليار ريال لكن من سمات الإنفاق الحكومي أن يتجاوز الإنفاق الفعلي الإنفاق التقديري بنحو 10-15 بالمائة في المتوسط، وهذا الإنفاق يذهب جزء مهم منه لبند الرواتب والأجور، مشيرا إلى أن الإنفاق الاستثماري سيزيد بشكل كبير في ميزانية 2010 إلى ما يزيد على 160 مليار ريال، وسيتضمن هذا الإنفاق إقامة تحديث وتوسيع البنية التحتية وبناء الأنفاق والجسور والمدارس والمرافق الصحية والصرف الصحي، بما سيساهم إجمالاً في تعزيز سعة الاقتصاد المحلي. قسائم الدعم الذكية تلبي احتياجات الفقراء داخل المراكز التجارية وقال إن هذا الإنفاق الحكومي سيكون على وتيرة طويلة، وهذا يعني أن تخصيص هذه الأموال للإنفاق الاستثماري كبناء المدارس والمستشفيات ومشروعات البنية التحتية الأخرى سيكون له مردود اقتصادي يعالج الكثير من المشاكل الاقتصادية بما في ذلك تعزيز قدرة الاقتصاد المحلي على توليد فرص عمل جديدة، وأبرزها مشكلة التضخم الذي سيزداد في حال رفع الرواتب ليشمل جميع الموظفين، كما أنه سيحسن البنية التحتية في المملكة، وهو ما يخفض التكاليف الإنتاجية للمستثمرين، ويحفزهم على إقامة المزيد من المشاريع التي تساهم في زيادة المعروض من السلع والخدمات، وبالتالي تخفيض الأسعار. قسائم ذكية للدعم واقترح "بوحليقة" أن تكون مساعدة الفئات المتضررة وذوي الدخل المحدود عن طريق الدعم الموجه؛ مثل منح قسائم ذات قيمة مالية محددة، أو بطاقات ذكية لسداد بعض فواتير السلع والخدمات الأساسية؛ مثل الكهرباء والهاتف والمياه، ودفع بعض الإعانات المباشرة للأسر المستحقة لمستلزمات الحياة الضرورية مثل المأكل والمشرب والملبس، والسعي لمراجعة مخصصات الضمان الاجتماعي، فرغم أن هذه المخصصات زيدت منذ أشهر قليلة غير أن الزيادة الكبيرة لمجموعة السلع الأساسية تستدعي إعادة النظر في تلك المخصصات السنوية التي لا تتجاوز 32 ألف ريال للأسرة المكونة من 8 أفراد وأكثر. وحول رؤيته لإعانة بعض السلع الأساسية مثل إعانة الأرز وحليب الأطفال، قال بوحليقة "إن المملكة بذلت جهودا كبيرة على مدى ربع قرن حتى تتخلص من إعانات المواد الأساسية؛ لأن ذلك يؤدي إلى عدم إدراك المستهلك للقيمة الحقيقية لتلك السلع فيحدث التبذير، وكذلك يشجع على تصدير تلك السلع إلى أسواق مجاورة، مما يعني أن الخزانة العامة للمملكة تدعم مواطني دول أخرى"، مؤكداً أن دعم الأرز والحليب له ما يبرره باعتبارهما سلعا ضرورية مثل الدقيق أيضاً، ولكن لا بد من وضع ضوابط لمنع سوء الاستعمال، ومراقبة المنافذ الحدودية لمنع التصدير، وكذلك مراقبة الكميات المنصرفة. وأضاف:على كل حال فالحل الأسلم هو التخلص من الدعم العام للسلع إلى الدعم الموجه للشريحة المستهدفة بعينها، وبالتأكيد فإن توفير فرص عمل للباحثين عن عمل سيرفع دخلهم ويحد من معاناتهم، وهنا لعل من المناسب بيان أن استهداف خفض البطالة هو الخيار الأعلى عائد للحد من الفقر، علما بأن البطالة تتجاوز 9 بالمائة، وهي نسبة عالية مقارنة باقتصاد نامٍ مثل اقتصاد المملكة يولد مئات الآلاف من فرص العمل لعمالة وافدة محدودة المهارة إجمالاً.