سجلت العديد من السلع الاستهلاكية بالسوق المحلي ارتفاعات متباينة خلال شهر ابريل الحالي وصلت إلى 30% مما أثار قلقا لدى المستهلك المحلي من وصول معدل التضخم المحلي إلى ملامسة 9 في المائة قبل نهاية 2011, وتأتي هذه الظروف في ضل تراجع القوة الشرائية للريال السعودي خلال الفترة الاخيرة. وبرغم استفادة الاقتصاد السعودي من ارتفاع إيرادات النفط الذي سينعكس ايجابيا على النمو الاقتصادي السعودي بوصوله إلى 4.5% في 2011، إلى أن الضغوط التضخمية ما زالت تشكل هاجسا مخيفا للسعوديين في ضل عدم ضبط الأسعار الاستهلاكية بالسوق المحلي بشكل كافٍ. من جانبه وصف رئيس جمعية حماية المستهلك في تصريحٍ صحفي أن الممارسات التي يقوم بها بعض التجار بانها لا أخلاقية, كاشفا عن خطة تعتزم الجمعية تنفيذها لإيقاف موجات الغلاء المستمرة بسبب مطامع بعض التجار, مؤكدا أن الجمعية ستقف بقوة ضد هذه الممارسات التي يقوم بها البعض في ترصدهم واستغلالهم لأي قرارات حكومية تصب في مصلحة المواطن لرفع الأسعار دون مبررات ضاربين بالمصلحة العامة عرض الحائط. وأشار الدكتور ناصر التويم إلى أن الجمعية ستتخذ عدة إجراءات في القريب العاجل بعد تنظيمها لشؤونها القانونية في ظل ما مرت به الفترة الماضية من إشكالات استدعت عقد جمعيتها العامة وتعيين مجلس جديد لإدارتها, مبينا أن الجمعية تقوم حاليا بدراسة مستوفية لحملات رفع الأسعار التي يقوم بها التجار في بعض السلع. توجه لإلغاء أدوار الوسطاء والموزعين للقضاء على التلاعب في الأسواق وكشف التويم عن عمله على خطة وصفها بخارطة طريق تتكون من تسعة بنود للعمل على الحد من هذه التجاوزات, مشيرا الى أن الجمعية رصدت الكثير من التجاوزات ولديها العديد من الأسماء التي ستتعامل معها قانونيا وترفع امرهم للجهات المختصة لكشف هويتهم كما نصت الأوامر الملكية والتي أكد التويم انها حملت منهجية عمل متكاملة لضبط أسعار السلع والحد من التجاوزات الظالمة من التجار بفضح ممارسيها. وقال التويم في اول تصريح صحفي له بعد انتخابه رئيسا للجمعية أن الأحداث السياسية والاقتصادية التي يمرّ بها العالم قد تكون مبررا لارتفاع بعض السلع, إلا أن ما تم رصده من ارتفاع في أسعار السلع التموينية لا يتجاوز "جشع" البعض مستغلين التوقيت واستفادة المواطنين من الأوامر الملكية بصرف مرتب شهرين ووضع حد أدنى للأجور. وأكد رئيس جمعية حماية المستهلك أن الجمعيات التعاونية وجمعية المستهلك ستتعاون فيما بينها لتنظيم الأسواق والغاء أدوار الوسطاء والموزعين الذين يعتبرون على حد وصفه أكبر المتلاعبين بالأسواق, مبينا أن انشاء الجمعيات التعاونية سيلغي هذه الأدوار لأولئك المتلاعبين وسيوقف الارتفاعات المحمومة. وادان التويم هذه التجاوزات, مؤكدا أن المستهلكين ينتظرون الكثير من الجمعية, حيث تجري الآن الكثير من الدراسات حول ارتفاع الأسعار وتلاعب بعض التجار في وسائل الأستيراد وتوفير هذه الدراسات وسنرفع الكثير من النتائج للجهات المختصة. ولفت التويم أن الجمعية ستقوم بحملات خلال الفترة المقبلة لتحديد الجهات المسئولة عن ارتفاع الاسعار, وتوعية المستهلكين بدورهم في محاربة هذه الممارسات, كاشفا عن موافقة الرئيس الفخري للجمعية سمو الأمير محمد بن سعود بن نايف عن تخصيص جوائز ذهبية للتجار الذين يتعاملون بإخلاص ونزاهة ويقفون ضد المماراسات التي يقوم بها البعض. من جهتهم أشار مستثمرون في قطاع السلع التموينية إلى أن "الفوضى" تعمّ أركان هذا القطاع, مستشهدين بارتفاع أسعار زيوت الطبخ التي ما إن نما إلى بعض الموزعين العلم برفع أسعارها من شركات التعبئة حتى بادروا إلى تخزين كميات كبيرة منها لبيعها بالسعر الجديد الذي بدأ قبل التوقيت المعلن عنه من قبل الشركات, موضحين أن الارتفاع المبدئي شمل أسعار زيوت الطبخ والأرز والمناديل الورقية وبعض أنواع العصائر. حماية المستهلك: المتلاعبون ينتهكون أخلاقيات السوق وسنرفع ما كشفناه من ممارسات وطالب المستثمرون بالتدخل لوقف الجشع الذي يمارسه الكثير من التجار في المناطق الحدودية والنائية حيث يتم رفع الأسعار بطريقة جائرة ضد المستهلكين بالاضافة لاستفادة بعض الموزعين من غير السعوديين في تلك المناطق من الأسعار الحكومية التشجيعية للسلع لبيعها في الدول المجاورة بأسعار مضاعفة. من جانبه أكد الكاتب الاقتصادي فضل البو العينين أن هناك علاقة طردية بين حجم الطلب واسعار السلع والمواد، مؤكدا أن الارتفاع المفاجئ في بعض السلع الاساسية وبنسب مختلفة، لا يمكن أن يُعزى لمتغيرات الطلب المحلي، كما أنه لا يرتبط البتة بتغير اسعار السلع عالميا ولو كان كذلك فمن المفترض أن تنخفض أسعار السلع محليا بسبب انخفاض الاسعار عالميا وبنسبة تزيد على 2.5%. واضاف: ما يحرك السوق المحلية هو سياسة التسعير الجائرة التي ينتهجها بعض التجار المسيطرين على السوق، والذين يقدمون مصالحهم الخاصة وبإنتهازيه، على المصالح الوطنية، وحاجة المواطنيين لتيسير وضبط الاسعار وليس العكس. وأوضح البوعينين أن زيادة الطلب تؤدي إلى أرتفاع الأسعار والعكس صحيح, مؤكدا أن تطبيق هذه النظرية على السوق السعودية خلال الشهر الماضي سيكشف لنا أن حجم الطلب لم يسجل نموا يؤدي إلى إحداث تغيير حقيقي في الاسعار، إلا أن المتغير الوحيد هو صرف مكافأة راتبين للموظفين الحكوميين، وبعض موظفي القطاع الخاص، ومن هذا المنطلق نجد أن قطاع التجزئة سارع للاستفادة من زيادة القدرة المالية (الوقتية) لدى المواطنين، فأحدث تغييرا على الأسعار دون النظر إلى كون القدرة المالية المفاجئة لن تكون دائمة، بل هي وقتية انتهت بمجرد صرفها للمواطنين؛ ومن هنا أعتقد أن الجشع والاستغلال أديا إلى رفع اسعار السلع والمواد، والخدمات أيضا، دون النظر إلى الظروف الحرجة للمواطنين، أو الأهداف السامية التي كانت تقف خلف صرف المكافأة للموظفين الحكوميين. وحمّل البوعينين بعض الجهات المسؤلية فيما يتعلق بارتفاع الأسعار, موضحا بقوله: "أعتقد أن هناك تقصيرا واضحا من قبل وزارة التجارة والجهات المسؤولة عن ضبط الاسواق، ولعلي اقترح على الوزارة تشديد الرقابة على وكلاء السلع ( المستوردين الأساسيين ) المتحكمين في الأسعار؛ فمن خلالهم يمكن ضبط قطاع التجزئة خاصة وأنهم يعتمدون في التسعير على سعر الوكيل. وكلاء السلع محدودون في المملكة ويمكن للوزارة وبكل سهولة السيطرة عليهم، ومتابعة اسعارهم، إضافة إلى ايجاد جهة يمكن اللجوء إليها للتبليغ عن تجاوزات الاسعار بسهولة، لتفعيل دور المواطن الرقابي؛ كما أن التشهير بالمخالفين قد يؤدي إلى ردع كل من تسول له نفسه بالتلاعب في الأسعار، كما يمكن الاستفادة من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنتشرين في الاسوق في مراقبة الأسعار خاصة أنهم متواجدون لمراقبة ما يجري في الاسواق في الوقت الحالي. أما التسعير فهو الخيار الأمثل للسوق السعودية؛ فعندما يغيب الرقيب المسؤول، ويتمادى التجار في فرض اسعارهم على المساكين، فلا مناص من الركون إلى التسعير، وان تركز على السلع الاساسية في المرحلة الأولى. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور فهد بن جمعة: إن زيادة إيرادات النفط سوف ينعكس ايجابيا على النمو الاقتصادي السعودي مما يدعم الإنفاق الحكومي على البنية التحتية الذي بدوره يدعم توسع القطاع الخاص ويساهم بخلق الفرص الاستثمارية التي تتيح وظائف للسعوديين بهذا القطاع المهم. ولفت إلى أنه بالرغم من أن ارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي يعززان معدل النمو الاقتصادي إلا أن لهما جوانب سلبية عديدة, منها ارتفاع التضخم المحلي والمستورد، معتبرا التضخم لا يزال مرتفعاً محليا مقارنة بالعامين الماضيين، وهو ما يعني أن القوة الشرائية للريال السعودي لا تزال تتراجع. وأبان: من المتوقع أن يرتفع التضخم في الأشهر القادمة ليسجل نسبة قريبة من 6%، مدعوما بالطلب على العقار وعلى السلع والخدمات بعد القرارات الملكية الاخيرة، ما قد يتطلب من الدولة التفكير في بدل الغلاء للموظفين, وأهميه إيجاد بطاقة دعم تمويني لذوي الدخل المحدود لمجابهة الظروف الحالية والتي أرهقت كاهل العديد من فئات المجتمع. من جهته أكد الاقتصادي الدكتور رجا المرزوقي أن الضغوط التضخمية التي بدأت تبرز في الاقتصادين المحلي والدولي تعيد للأذهان الأوضاع التي سادت قبل الأزمة المالية العالمية، عندما تجاوز معدل التضخم في الاقتصاد السعودي 10%، متوقعا استمرار الضغوط التضخمية على الأسعار خلال 2011، مما قد يكون له تأثير كبير في متغيرات الاقتصاد الكلي المحلي والعالمي. وأشار إلى أن الإنفاق الحكومي يشكل أهم مصادر التأثير في النمو الاقتصادي وفي التضخم في الاقتصاد المحلي، اضافة الى ارتفاع أسعار المواد الأولية في الاقتصاد العالمي, مما يجعل المملكة تستورد التضخم في ضل انخفاض قيمة الدولار, ما يرفع فاتورة الواردات، مما يشكل ذلك مصدرا مؤثرا في الضغط على ارتفاع الأسعار بالأسواق المحلية. واوضح أن الوضع الاحتكاري الذي تعانيه بعض السلع بالسوق المحلي من قبل المستوردين يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر من الارتفاع الحقيقي في أسعار المواد الأولية والسلع مما يزيد من الضغوط التضخمية في الاقتصاد السعودي. اضافة إلى تأثير القرارات الملكية الاخيرة واستغلالها من بعض التجار, وبالتالي دفع مؤشر التضخم بأن يلامس 9 في المائة قبل نهاية 2011. وأكد المرزوقي على أهمية التركيز على الإنفاق الاستثماري الحكومي وتقليص الإنفاق الاستهلاكي الحكومي لزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي, وقيام الجهات الحكومية بتشجيع المستثمرين لزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المحلي. ودعا بنفس السياق إلى أهمية تبني سياسة نقدية أكثر مرونة تسهم في امتصاص الضغوط التضخمية بالاقتصاد المحلي, مع تشجيع المنافسة وفتح الأسواق لتفكيك احتكار القلة من التجار للسلع الاستهلاكية والتي يعانيها الاقتصاد السعودي.