حين شبّت حرائق الغابات في روسيا، وقف العالم ينتظر تصدير القمح، أو منعه، فكان القرار المواطنون هم أولى من الأسواق الخارجية، وحدث قبل سنوات نقصٌ في زراعة الرز الهندي فرفعت الأسعار وقللت الصادرات للخارج لأن المستهلك الوطني هو صاحب الحق في منتج بلده. في المملكة تعالت الأصوات بغلاء الخضروات المنتجة محلياً، والسبب يعود للتصدير لدول الخليج، في وقت عندما حدث النقص في الحديد والأسمنت اتخذت إجراءات جيدة بمنع التصدير، أسوة بما هو معمول به عالمياً، والقضية أن فوائض الإنتاج الزراعي، إن وجدت، تكلفنا تصدير أهم سلعة ضرورية، أي الماء الذي أصبح قضيتنا الأولى عندما يكلف اللتر من اللبن المئات أو العشرات من لترات المياه التي نحتاجها كمخزون للسنوات الصعبة القادمة، والزراعة هي استنزاف آخر تعترف وزارة الزراعة، أنه إهدار غير منطقي بسبب إنتاج الأعلاف والقمح والشعير، وتصدير بعضها، وهي السلع المعانة، في وقت لا نستشعر المسؤولية في الخسائر الفادحة لمخزوننا من الضرورات الأساسية في حياتنا القادمة.. المسؤولية بنقص السلع المعروضة من الخضروات المحلية، فتحت العيون على اتكالية الأجهزة الحكومية عندما ترمي كل وزارة السبب على أخرى، وهي من المسائل التي أعيت أصحاب الدخول المتدنية بحمايتهم من الاستغلال والاحتكار البشعين، وفي مناسبات عديدة.. فلم يعد اللحم، وفقاً لتصاعد أثمان المواشي، في متناول بعض الطبقات عندما ارتفع سعر الكيلو إلى أرقام مضاعفة، كذلك الدواجن والبيض والألبان والعصائر وغيرها، وقضية الخضروات كلّ يعرف قضيتها أي وضع روزنامة تحدد كمية المطلوب للاستهلاك ، وتقنين الزراعة وفقاً للاحتياج الداخلي، وتستغرب أن فائض الإنتاج من التمور، رغم كلفة الماء عجزت المملكة عن ابتكار وسائل لتصديره أو تحويله إلى إعانات للدول الفقيرة بشرائه من الفلاح لهذه الغايات، وهي الطرق التي تتخذها معظم دول العالم.. الفلاح، والمواطن المستهلك، كلاهما المتضرر، لأن التاجر يتحكم في السوق، ويستطيع فرض الرقم الذي يحدد سعر السلعة، ومع ذلك لا يوجد في محلاتنا رقابة صادقة ونزيهة تحد من الجشع الفاضح أمام استنزاف دخل المواطن الذي أصبح يواجه ندرة السكن وغلاءه، وبطالة، وعنوسة، وهي القضايا التي صارت لازمة يومية لكل من يعالج مشاكلنا الداخلية، والسبب معروف أن القطاع الخاص هو من ولّد الأزمات لنصبح أكبر من يستورد العاطلين في بلدانهم ليرسلوا المليارات على حساب مواطنينا، وفي عجز التشريعات عن الالتفاتة لهذه المآزق التي بدأت ظواهرها تأخذ شكل التحدي والأزمة، وتركها أو تجاهلها أمام حقيقة وجودها ليس منطقياً إذا ما تراكمت أعداد العاطلين، وصعوبة تأمين السكن والضرورات المعيشية الأساسية..