تفقد المملكة اليوم واحداً من أبنائها الأوفياء المخلصين المتعدد المناقب والمواهب مما يجعل عزاءنا كبيرا في معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي الذي وافته المنية في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض. وكم هو حزن محبي الدكتور غازي عندما سمعوا خبر وفاته وكأنه أحد أفراد كل أسرة سعودية، وهو في الحقيقة كذلك فقد كان همه هم كل سعودي مخلص لدينه وقيادته ووطنه. الدكتور غازي متعدد المهارات الثقافية والسياسية والإدارية منذ وقت طويل، حيث ملأت كتبه القيمة المكتبات في الشعر والرواية والسياسة والإدارة. وقد واجه الدكتور غازي خصومه الذين أحبهم بلطف وكياسة وحكمة بدلاً من معاداتهم. وأنا متأكد أنهم حزينون على فراقه مهما اختلفوا معه. ولقد تقلد الدكتور غازي العديد من المناصب القيادية في الدولة وكان خير مسؤول عرفناه، حيث اتصف بالنزاهة والإنتاجية والتفاني في العمل بالإضافة إلى تعامله الإنساني مع المواطنين. اختلف الدكتور غازي مع الكثير من المسؤولين واصحاب الأعمال حول أمور خاصة وعامة، لكنه اختلاف إيجابي يقصد به خدمة وطنه في المقام الأول. وقد أرسل لي خطاباً ودراسة عبر جريدة اليوم قبل حوالي أربع سنوات عن البطالة في المملكة بعدما انتقدت وزارة العمل حول موضوع البطالة. وكان يريد توضيح دور وزارته في التعريف بالبطالة المقنعة وغير المقنعة. وقد كانت لدي ملاحظات على الدراسة وظروفها التي ساهمت في نتائج متحيزة لا تعكس واقع البطالة بالمملكة ما يعطي الانطباع أن جميع شبابنا وشاباتنا غير جادين بخصوص البحث عن العمل والالتزام للوظيفة. كان خطابه مهذباً ولطيفاً يعكس شخصيته القيادية المؤثرة والمتيزة بالكرزماتيكية الجاذبة التي تجذب من حوله للتعاون معه لتنفيذ ما يرغب تحقيقه منهم وبهم. كان الدكتور غازي رحمه الله يوظف شعره وعلمه وتجاربه وخبراته المتعددة في سبيل دينه وعروبته، إذ بعد تجربته الدبلوماسية في بريطانيا رحل عنها ليعود إلى بلده مكرماً بوزارة المياه والكهرباء ثم وزارة العمل التي كانت بحاجة لوزير يتحمل ضغوط العمل من كل اتجاه، وكان خير وزير. كان عمره المتوج بالإنجازات عاملاً قوياً في مواجهة التحديات، لكن المرض المفاجئ جعله حبيس السرير في مستشفى مايوكلينك في الولاياتالمتحدة ومستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض. كان الدكتور غازي اسطورة في الإدارة فقد اتضح ذلك في كتابه "حياة في الإدارة" والذي يعد عصارة خبراته وتجاربه الطويلة في إدارة العديد من المؤسسات والوزارات والسفارات السعودية حول العالم. وقد تميز بالصدق والإخلاص والصراحة في إدارته ما جعله يواجه تحديات كبيرة تجاوزها بنجاح جراء شخصيته القوية ووضوحه في طرح المصلحة الوطنية العليا فوق أي مصلحة شخصية، فهو لا ينفذ مصالح شخصية أو مصالح خارجية وإنما يخدم وطنه ومواطنيه في المقام الأول. وما شخصية الجرسون في أحد المطاعم التي أداها معالي الوزير الدكتور غازي المغفور له بإذن الله إلا مثالاً قوياً على وطنيته وحبه لشباب وطنه وتشجيعهم على العمل لكسب لقمة العيش. عدد من رجال وسيدات الأعمال لا يتفقون مع الدكتور غازي حول توطين الوظائف، لكنهم يعرفون حق المعرفة أنه صاحب مبادئ ورسالة ووطنية خالصة. وقد شعر العاملون في المطعم الذي زاره بالأمن الوظيفي لأن معالي الوزير كان حريصاً على حقوق الموظفين وعدم تسريحهم من غير مبررات مقنعة بينما شعر الزبائن بلطفه وحسن تقديمه الخدمة لهم ليحذو العاملون في المطعم حذوه. العزاء كبير في فقيد الأمة الدكتور غازي القصيبي الذي كافح من أجل وطنه وقيادته ومواطنيه، ولنعم المواطن الصالح الذي بذل حياته في خدمة وطنه في كل مسؤولية أؤتمن عليها. رحم الله غازي واسكنه فسيح جناته.. "إنا لله وإنا إليه راجعون". * جامعة الملك فهد للبترول والمعادن