البروفيسور بارت إرمان كان مبشراً إفانجليكياً متحمساً يعتبر من أهم مؤرخي العهد القديم والجديد. قاده حماسه إلى دراسة اللاهوتيات وحصل على درجة الدكتوراة فيها، تعلم الإغريقية والعبرية لكي يطلع مباشرة على أناجيل العهد الجديد. ذُهل لتحققه من أن هناك أكثر من 5500 نسخة من العهد الجديد- أو جزء من النسخة - تحتوي على آلاف الاختلافات. يقول إرمان: "إن مجموع الاختلافات بين تلك النسخ أكثر مما في كتب العهد الجديد التي بين أيدينا." وخلص من دراسته وبحثه إلى أن الإنجيل ليس كلام الله، إذ لو كان كلام الله لحفظه الله من الاختلاف والزيادة أو النقصان. ولأنه وجد في التوراة مثل ماوجد في الإنجيل فقد قاده ماتعلمه عن الإنجيل والتوراة إلى الإلحاد. الغريب أنه في حججه كان يشابه ماجاء في القرآن عن الإنجيل وعن الاستدلال، ولكنه لم يقرأ القرآن. ويشير إرمان إلى أن كتابة الإنجيل بدأت 30-65 سنة بعد رفع المسيح إلا أنه لايُعلم كاتب الإنجيل. الواضح أن الكتابة لم تحفظ الإنجيل من التحريف حسب مايؤكده المختصون، إذ إن كل ناسخ حذف أو أضاف إليه. وبرغم أن بعض تلك الإضافات كانت عبارة عن تهميش من الكاتب إلا أنها أدرجت في أصل الإنجيل فيما بعد. وليست التوراة بأحسن حال من الإنجيل. فلماذا حدث التحريف في الكتابين برغم أن المسيحيين واليهود أهل كتابة وتوثيق؟ إذا كانت الكتابة لم تحفظ الكتابين المقدسين من التحريف، فهل يمكن أن نعتبر الكتابة هي أساس حفظ القرآن؟ الكتابة يصاحبها الخطأ إلا إذا كان هناك مايمكن أن يعتبر مرجعا للكتاب يمكن الاعتماد عليه. فما هو المرجع الذي اعتُمد عليه في كتابة القرآن، ولماذا أُحرقت رقاع وأُحرق مصحف عبدالله بن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب برغم أن الخلاف بينهما كان في الغالب في القراءات وليس في المحتوى؟ المرجع الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يكتب الوحي في حياته ولأن الوحي نزل مفرقا فإنه كان يقول لكتبة الوحي: "ضعوا آية كذا في موضع كذا" إلى أن تكتمل السورة. ثم يحفظه الحفظة وقد بلغ عددهم في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام بضعة آلاف. وشاهِد ذلك الحفظة الذين كانوا في جيش خالد بن الوليد الذي قاتل مسيلمة إذ بلغ عددهم ثلاثة آلاف حافظ استشهد منهم 500. بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم كلف أبو بكر زيدَ بن ثابت -أحد كتبة الوحي بجمع القرآن- فجمعه من العُسب واللخاف وصدور الرجال. وهذا مايُعرف بمصحف زيد الذي احتفظ به أبو بكر فعمر بن الخطاب فحفصة عليهم رضوان الله. قد تكون صدور الرجال هي أهم المصادر لأن القرآن هو الكتاب المقدس الوحيد الذي يحفظه آلاف الحفظة منذ أن تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة. ولم يتأت ذلك إلا من تيسيره للحفظ. قال تعالى: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدكر" القمر 17. اليوم مئات الآلاف إن لم يكن ملايين من البشر يحفظون القرآن كاملا عن ظهر قلب. والحفظ وتيسيره بلا شك أهم شواهد الإعجاز القرآني ويفوق الشواهد الأخرى لإعجازه بما في ذلك الإعجاز اللغوي، إذ إن الإعجاز اللغوي يعني العرب وحدهم، أما إعجاز الحفظ فللناس كافة. هل هناك كتاب آخر بنفس حجم القرآن في أي موضوع كان يحفظه نفس العدد من الناس صغارا وكبارا، رجالا ونساء وأطفالا منذ أن خلق الله البريّة؟ لم ولن يكون لأي كتاب حفّاظ مثلما للقرآن. سيناريو الدكتور إرمان تكرر مع الدكتور جيرالد ديركس، إلا أنه قاد الأخير للإسلام وأصبح من أفضل الدعاة وأكثرهم إلماما بتاريخ الديانات الثلاث. أتمنى أن يقوم بروفيسور إرمان بدراسة القرآن لأنه يحتوي على كل ماطلبه لكي يعتبر الكتاب من عند الله.