قبل سبعة أيام اتصل بي الدكتور حمزة الطيار وهو رجل صاحب ثقافة متمكنة ووعي شامل، ويقود مسؤولية دينية مرموقة.. فهو خطيب وإمام الجمعة في أكبر جامع بالعاصمة الرياض.. جامع الراجحي.. قدم للجريدة مقالة الواعي والدقيق المتابعة والرصد الفقهي المتمكن رداً على ما ينشر في موقع «قاضي نت»، وهو موقع إلكتروني.. وقد نُشرت مقالته الأسبوع الماضي، وقد ألزمت نفسي منذ يوم الخميس قبل الماضي بمتابعة نوعيات النشر في ذلك الموقع عبر ما جهزه لي الزملاء من مواد متنوعة في مواقيت النشر ونوعية الكتاب.. موقع «قاضي نت» يدخله أشخاص كي يتصدوا لوسائل التطوير وتنوّع الثقافة السائدة في البلاد حالياً.. ليس في غياب الموضوعية، بل اكتشفت كثافة الظلام فيما توفّر بين يدي من نماذج هبوط معلوماتي وفكري أستغرب أن يكون متواجداً بين فئة أشخاص نفترض على الأقل أن تكون لديهم موضوعية في الخصومات وشمولية في الاطلاع.. لا شيء من ذلك إطلاقا عند ذلك البعض.. أحدهم يذكّرنا بسقوط الدولة العثمانية، وكأنه يريد القول بأن علمانيتها وسيلة تقويض صفتها الإسلامية.. هذا غير صحيح فانغلاق حضورها الإسلامي وتضييقها على الشعوب الإسلامية الأخرى هو الذي سهّل من سقوطها.. والفكر الديني المنغلق - في أي مكان وبأي ديانة - هو دائماً سبب سقوط الحضارات سواء في أوروبا، قبل مئات الأعوام، أو تركيا أو حالة السقوط المتواصلة في أفغانستان حالياً.. الكل يعرف الآن حقيقة أن وجود الوعي الديني المتطور وفتح مجال تعدّد الثقافات هو الذي أعاد للإسلام مكانته المشرفة في تركيا حالياً، ورفع مكانة المملكة بين دول العالم.. أحدهم يستعرض فتاوى قديمة لم يكن جيلها قبل ستين عاماً تقريباً يعترض عليها بسبب ضآلة الوعي وبساطة التعليم، نجدهم يستعيدون القول بتجاوز وجود غرفة تجارية ولجنة منازعات، لأن هذا من اختصاص القضاء.. لكنهم لم يذكروا فتوى حدثت في مدينة معروفة وضحيتها موجود وأبناؤه يحملون شهادة الدكتوراه عندما صدر ضده حكم وهو شاب بالترحيل عن مدينته بسبب وجود راديو في منزله.. لم يذكروا أن شاباً صغيراً آنذاك بحث عن (السيكل) الخاص به في منزله فوجد أن والده قد قذفه في البئر المشتركة مع الجيران.. وحين قال لوالده: وين البسكليت؟ أجاب أبوه: هذاك حصان إبليس.. وموقف أكثر حداثة ربما منذ خمسة وأربعين عاماً حين تم إفشال مهمة مسؤول ذهب إلى مدينة معروفة لافتتاح أول مدرسة بنات فيها، فكان أن واجهوه بفتوى تلزم بقتله لو فعل ذلك.. هذه الأنماط لنوعيات الأفكار والمعلومات الفقهية أتت من ماض ينقصه الكثير من إمكانيات التطوير التعليمي الذي يتم بسرعة إشعال الحرائق، ولم يعتب عليه أحد، لكن أن تأتي هذه الأفكار الانعزالية في عصر امتدادات أهميات المملكة سياسياً واقتصادياً وتقنياً فالأمر ليس إلا محاولة اعتقال للنمو وعودة إلى عزلتهم ومحاولاتهم التشكيك في علاقات الدول الأخرى، وكأن لديهم في جبال أفغانستان أو مجازر الباكستان ما يعوّض عن العلاقات العلمية والاقتصادية مع أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند.. العتب ليس على هؤلاء فقط.. لكن أيضاً بعض الدعاة هم في الحقيقة بحاجة إلى دعاة.. حيث أجدهم - في الواقع بحسن نية لكن بتخلف معلومات - يمارسون جهود دعوة بالعودة إلى العزلة.. الشيء نفسه بعض خطباء الجمعة الذين يكررون التحريض على الجهاد ولم يقولوا لنا أي جهاد، وضد مَنْ؟! لا يجوز لهذه الأقلية - التي تقل عن الواحد في المئة - أن تتمادى ضد أكثرية واعية ونزيهة وعي الاعتقاد الديني وتتوفّر لها كل مبررات وإمكانيات التقدم.. بقي أن أتساءل: أليس من المفروض أن تكون هناك إجراءات تعديل وردع من قبل معالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء وكذا معالي وزير الشؤون الإسلامية؟..