يعرف الكثيرون من أبناء هذا الجيل أن فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز قد انتقل إلى رحمة الله وهو في إطار منهجية الفتوى التقليدية المتحفظة.. هذا صحيح.. لكن ليس لأن الشيخ ابن باز كان بعيداً عن التمكّن الفقهي في موقعه كمفتٍ للمملكة، ولكن لأن الانفتاح المعلوماتي حول الشريعة الإسلامية وضرورات التطابق أو التفهم للجديد الحضاري هي التي أعطت هذا التصور في عصر شيخوخته، وإلا فالشيخ عبدالعزيز بن باز في بداياته كقاضٍ في بلدة صغيرة قريبة من الرياض استرعى انتباه المجتمع بالمخارج الموضوعية التي كان ينهي بها بعض القضايا الشائكة، ذلك أنه كان في مرحلة شباب استفاد بها من جديده الثقافي الديني، فيما كانت شيخوخة مَنْ يكبرونه سناً ومركزاً وظيفياً قد ربطتهم بالرؤية التقليدية لمجريات الأحداث.. الآن يأتي الابن وكأنه يجدّد شباب الأب، عندما نجد أن الشيخ أحمد بن باز يرى أن تقنين النسل ضرورة أمام وضوح تدافع الزيادة السكانية التي سترهق قدرات المجتمع، وبالذات في أوساط الأكثرية المحدودة الإمكانيات، ثم يرى أن تحريم الاختلاط ليس له أصل في الشريعة الإسلامية وأن الرجل ليس له ولاية على المرأة إلا في النكاح.. هذه الحداثة الواعية المنضبطة في الوقت نفسه داخل الأطر الشرعية المتفهمة لظروف العصر المختلفة تماماً وبتباعد كبير عن ظروف العصور القديمة مع أنه لا يضيف ابتكار تشريعات جديدة ولكنه يجد في التشريعات قبله ما يفتح انغلاقات رؤية التفسير التقليدية.. الحقيقة.. لست أكتب عن الشيخ ابن باز فقط، ولكنني وعبر الاستماع للشيخ محمد الدحيم في حواره التلفزيوني مع الزميل تركي الدخيل أجد نفسي أمام مفكر إسلامي متمكّن يتحدّث وهو مدعوم بثقافة دينية نادرة عند غيره.. أيضاً جميعنا استمع أكثر من مرة للقاءات التلفزيونية مع الشيخ سليمان العودة الذي استقطب متابعة واهتمام جميع مَنْ ينظرون إلى شاشات التلفزيون، حتى أصبح حواره الأسبوعي يفوق في شعبيّته ما للبرامج الاجتماعية أو الفنية من مكانة متابعة.. وأعتقد أنه الرجل الثاني بعد الشيخ المرحوم علي الطنطاوي الذي حقّق هذه المكانة من الانتشار الاجتماعي لبرنامج ديني أسبوعي.. السؤال.. ونحن لا نختلف أبداً على مدى حاجتنا إلى تطوير الوعي وأننا لن نستفيد جيداً من قدراتنا المادية والأخرى العلمية ما لم نوفّر وعْياً جاداً يروّض حواجز الانغلاق.. لماذا لا يكون هؤلاء وأمثالهم في مواقع مؤثرة ليس بالرأي فقط ولكن بنوعية القرار؟!