نشرت جريدة الوطن الأسبوع الماضي خبرا حول محاضرة نسائية قدمتها احدى الداعيات بمدينة الرياض، واشار الخبر إلى الحضور الكثيف الذي تجاوز 500 امرأة - لو بلغ الحضور في أي محاضرة ثقافية 50 شخصا فسيبتهج منظمو المحاضرة وسيعتبرونه فتحا مبينا - علما أن محاضرات الداعية ستمتد طوال شهر رمضان وبصورة يومية. هذا الحضور الكثيف والقبول الاجتماعي يجعلانا نطمح أن يستثمر الطرح الدعوي على امتداد الشهر الكريم بتقديم خطاب ديني نوعي مستجيب لطبيعة العصر قادر على مواجهة تحديات المرحلة، بعيدا عن الطروحات التقليدية التي تراوح بين عناوين براقة وحلم مثالي محلق وبعيد المنال، ومقارنته بواقع النساء كمدخل لتوبيخهن وتخذيلهن، فيخرجن من المحاضرة مسربلات بمشاعر الخوف والذنب والخذلان مع غياب الهمة. أو الطروحات التي تعيد استيلاد وتكرار نفسها عبر النفور والتحذير من جميع مظاهر النشاط الاجتماعي، أو تلك الطروحات التي تداوم على شحن الوعي واللاوعي حول مؤامرة عالمية تستهدفهن. المرحلة باتت تتطلب الكثير من الوعي الوطني الشمولي، فبعد التفاف حزام التفخيخ الإرهابي حول خصور بعض النساء صار محتما بل واجب وطني أن نرسم خطا وطنيا احمر لما بعد ذلك، كي يصبح الوطن كقيمة وانتماء على رأس قائمة النشاط الدعوي النسائي، والذي من الممكن أن يسهم في تأصيل الانتماء واستنهاض الهمم بهدف المشاركة في المشروع الوطني كامرأة فاعلة منتجة تطمح إلى التغيير والتطوير بشكله الايجابي وليس من خلال نفسية معبأة بالنفور والغضب والمشاعر السلبية. الكثيرات يطمحن أيضا بأن يكون الطرح الدعوي النسوي قادرا على التفكر والتدبر باستقلالية تتجاوز الترديد والتنميط، مع الوعي بشمولية واتساع المصادر التشريعية والارث الفقهي ولاسيما المتعلق منه بحقوق النساء الشرعية المغفلة، مع الاعتراف بوقوع الكثير من الظلم والإجحاف والتغييب لحقوق النساء الشرعية في المؤسسة العدلية، فلابد من الداعيات النساء أن يعين أدوارهن الحقيقية ويصدعن بالحق وأن يضعن الاصبع على بعض المظاهر التي تسعى إلى الانتقاص من كرامة النساء تحت عرف الستر والعيب الذي بدوره يقودهن إلى الرضوخ إلى العنف الجسدي واللفظي والنفسي مستسلمات خانعات كأنه قدر لا فرار منه، وما أدوارهن المثالية النبيلة ان لم يقمن بإيقاد شعلة لتبصير النساء بحقوقهن الشرعية في أموالهن، أو التأكيد لهن بأن حقوقهن في التقاضي ليس عارا عائليا. هناك قصيدة تتداولها الأيدي حول حزن رجل عربي، اصطف وخلفه امرأة سعودية أمام بائع محل تجاري فطلبت منه أن يتقهقر قائلة: يا أسود ارجع إلى الخلف. وهذه الحادثة ان صحت فهي ممارسة دونية في مجتمع من المفترض أنه يتحلى بخلق إسلامي، ومظهر صارخ للعنصرية وذيولها من التعصب المذهبي والقبلي والمناطق وسواها من مظاهر التخلف وغياب التحضر والإنسانية، فلا أدري هل ستمر محاضرات النساء الرمضانية بجانب هذه المناطق الدامسة المسكوت عنها، أم ستكتفي بتوبيخ النساء على طبيعة أرديتهن؟ هل ستخبرهن تلك المحاضرات بأن ليس جميع الخادمات ساحرات، وأن ليس جميع العمالة منحلين أخلاقيا؟ أبرز جملة في كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة شهر رمضان هي وصفه الإسلام بأنه (دين ألفة ومشاركة فاعلة في صنع الحضارة الإنسانية) وكلمة الإنسانية هنا محملة بأبعاد شتى للرؤية المستقبلية والمشروع التنموي والآفاق التي تطمح لها المملكة في علاقتها مع الآخر من حيث إزالة الحواجز والتصنيفات والتشارك مع العالم بأرضية إنسانية مشتركة. أيضا لا أدري هل ستتم الإشارة في هذه المحاضرات إلى أهمية الوعي السلوكي والحضاري في الأماكن العامة، مع الدماثة واللطف وحسن الخلق كمنهج إسلامي، وعلى رأس هذا الالتزام بالنظام والصفوف الذي هو شرط وقوفنا بين يدي الله خمس مرات يوميا ولكن سرعان ما تقتحمنا الفوضى والتدافع والهمجية بعد التسليم؟ كم نتمنى أن نكون جميعا جزءا من مشروع حضاري شامل بعيدا عن الطروحات التقليدية المكرورة التي تعرض بضاعتها في الواجهات الدعوية عاما اثر الآخر.