أعتقد أن إصدار سبع قرارات عقابية بحق المخالفين لأحكام قرار إخضاع سلعة حديد التسليح بكل مقاساتها لأحكام التنظيم التمويني في الأحوال غير العادية قد لقي استحسان الكثير. خصوصاً وأن العقوبات تتضمن فرض الحد الأقصى من الغرامة المالية المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء وهي 50 ألف ريال وإغلاق المحلات أو الفروع، التي وقعت فيها المخالفات، لمدة 15 يوماً. ولهذا فان الإعلان الذي سوف يشهر فيه بأسماء الجهات المخالفة يعتبر تتويجا إيجابيا للحملة ضد المتلاعبين بأسعار حديد التسليح التي أدى ارتفاعها المبالغ فيه إلى تسخين الاقتصاد واثقال كاهل المواطنين. ورغم أهمية هذا القرار فإنه، على ما يبدو لي، غير كاف بمفرده للتصدى لآفة غلاء الأسعار التي نشهدها على العديد من السلع والخدمات. وللاستدلال على ذلك سوف أستشهد بالفاتورة التي عرضها عليّ قبل أيام، أحد الزملاء الذي اضطره ألم الأسنان إلى مراجعة واحد من مستشفياتنا الخاصة المعروفة. فلكم كانت دهشته واستغرابه عندما قدمت له العيادة فاتورة بالتكاليف التي سوف تترتب على علاج أسنانه. وفي الحقيقة فإنه من الصعب تصديق أن تحشية ثلاثة أسنان فقط تكلف خمسة عشر ألف ريال. أي ما يعادل ثمن ثلاث سيارات تقريباً من صنع شركة تاتا الهندية. ولكن لكون المستشفيات الخاصة لدينا كثيرة والتنافس فيما بينها جاريا على قدم وساق ذهب الزميل إلى مستشفى اخر وتطبب هناك بتسعمائة ريال فقط. ولكن، وعلى النقيض من ذلك، ما الذي يمكن أن يعمله مثلاً صاحب أي سيارة من سيارات الدرجة الأولى لو أضاع مفتاح سيارته أو لو جرى لفخامة هذا المفتاح أي عارض، بحيث أصبح يلزم استبداله بآخر جديد؟ ليس أمام صاحبه في هذه الحالة خيار ثان غير دفع مبلغ لا تقل قيمته عن 700 ريال مقابل مفتاح لا تصل تكلفته إلى 70 ريالا. ولكن صاحب السيارة مضطر أن يدفع ال 700 ريال بطيبة أو بدون طيبة خاطر. والسبب يعود أنه ليس هناك جهة أخرى ممكن أن تبيعه أو تصنع له مفتاحا اخر لسيارته. فالوكالة هي الجهة الوحيدة المتنفذة والمحتكرة للسوق. ولذلك فليس هناك فكاك من التعامل معها رضي المستهلك أو غضب. إنه لمن الواضح أن ارتفاع الأسعار، والغلاء الذي صرنا نشهده في السنوات الأخيرة، على العديد من السلع، مثل حديد التسليح، أمر ليس له أي علاقة بآلية وقوى السوق. بل هو مخالف لقوانينها. فالجهات المحتكرة لأي سلعة أو خدمة كثير ما تلجأ إلى لجم قوى العرض من أجل احداث نقص مصطنع في الكميات المعروضة من أجل رفع الأسعار على السلع التي تبيعها بهدف جني الأرباح الخيالية. وهي في هذا المجال عمياء لا ترى أبعد من جيوبها أو حساباتها في البنك. وكما لو أن المشاكل أو المخاطر، على العباد والبلاد، التي قد تترتب على السياسات الاحتكارية التي تنتهجها أمر لا علاقة له بها. ولذلك وفي ظل هذا التطور الذي يشهده اقتصادنا فإن محاربة غلاء الأسعار بمفرده سوف يكون مثل من يحارب طواحين الهواء. فنحن مع دخول اقتصادنا، أو بالأصح بعض قطاعاته، مرحلة الاحتكار أصبحنا نحتاج، كما يبدو لي، إلى أكثر من التصدي لارتفاع الأسعار. فمحاربة هذا الارتفاع إذا لم تتحول من حملة، تشن بين الحين والاخر، إلى عمل منهجي دائم ومنظم فإنه من الصعب القضاء على هذه الآفة الاقتصادية الخطيرة. من هنا فإن التصدي للتضرب بالأسعار، هذا التضرب الذي تؤدي المبالغة فيه إلى التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، ربما يتطلب إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الاحتكار. وقد يكون من المناسب أن تنشأ هذه الهيئة تحت مظلة وزارة الداخلية في البداية قبل أن تستقل، فيما بعد، وتصبح هيئة قائمة بذاتها. فرعاية وزارة الداخلية لها في البداية أمر مهم من ناحيتين: ناحية اعطاء الهيئة الجديدة الثقل والوزن الذي تستحقه. من جهة ثانية ان ضرب الأيدي المتلاعبة بالسوق من شأنه تعزيز ودعم استقرار الاقتصاد في البلاد.