طالب اقتصاديون وخبراء بوجود آليات فاعلة ورادعة للتصدي لقضايا الاحتكار لاسيما في ظل تنامي هذه الظاهرة وتأثيرها السلبي على الاقتصاد وتضييق فرص المنافسة العادلة، مشيرين إلى أن الممارسات السلبية من قبل بعض التجار ساهم في رفع أسعار السلع المحتكرة بشكل غير مبرر في ظل غياب دور الجهات الرقابية، وجمعية حماية المستهلك. وأشاروا في حديثهم ل »المدينة» إلى أن السياسات التي اتخذتها المملكة لمنع الأنشطة الاحتكارية تهدف في الأساس إلى استقرار السوق المحلي، وتحقيق العدالة أمام الشركات المنتجة، ومقدمي الخدمات في الوصول إلى المستهلكين دون عوائق. وأوضح المحلل الاقتصادي الدكتور عاصم السعيد بأن الاحتكارمن أبرز الظواهر التي تسيطر على الأنشطة الاقتصادية، إلاّ أن مواجهته والتصدي له تتطلب وجود آليات فاعلة وحقيقية لإحكام الرقابة على الأسعار وتشديد الرقابة على الأسواق المحلية، والتصدي بمنتهى الحزم للفئات المحتكرة، ودراسة تغليظ العقوبات في قوانين منع الاحتكار مع ضرورة إنهاء الامتيازات الممنوحة لبعض الشركات، لأن ذلك يلعب دوراً كبيراً في إحداث أضرار اقتصادية بالغة على السوق. وأكد السعيد على أن احتكار بعض الشركات لسلعة أو خدمة هو أخطر أشكال الاحتكار، لأنه يشوّه قواعد العرض والطلب التي يقوم عليها الاقتصاد الحر، وتمتد آثار الاحتكار إلى الحد من المنافسة المشروعة، والسيطرة على النشاطات التجارية، وعدم استغلال كافة الموارد الطبيعية والإنتاجية بقصد التحكم بقاعدة العرض والطلب، وسوء توزيع الثروة والدخل، وبالتالي تقليل قدرة الاقتصاد على المنافسة الخارجية. وأبان السعيد بأن المملكة العربية السعودية ومنذ تأسيسها، قد أعتمدت على سياسة السوق الحرة، والتي ساهمت بشكل كبير في محاربة الاحتكار من أجل تحقيق فوائد عدة للمستهلك السعودي، بل واتخذت خطوات في فك امتياز العديد من الشركات في بعض القطاعات، والتي كانت حتى فترة قريبة يعتقد أنها لن تكسر امتيازها، كما حدث في قطاع الاتصالات، والتي فتحت فيه المجال لشركات أخرى مثل شركة اتحاد اتصالات (موبايلي) وشركة زين، الشيء الذي ساهم في تحرير قطاع الاتصالات وتطور نوعية الخدمة، ومستوى الجودة، وقبل كل ذلك انخفاض تكلفة الخدمة، كما تعتبر الخطوة التي اتخذتها المملكة عبر برنامجها المعلن للإصلاح الاقتصادي في نهاية التسعينيات في تحرير العديد من القطاعات من الاحتكار أو الامتياز، ساهم بشكل كبير في تطور السوق ونمو الناتج المحلي الإجمالي والذي بلغ أكثر من (1.6) تريليون ريال العام الماضي، مشيرًا إلى أن المملكة ماضية في سياساتها الاقتصادية في إلغاء الامتيازات التي منحت لبعض الشركات الحكومية أو شبه الحكومية لبعض القطاعات، مثل قطاع إنتاج وتوزيع الغاز، والذي أوصي مجلس المنافسة بإلغاء الامتياز الممنوح للشركة الأهلية للغاز في قراره الذي أعلن قبل شهرين، وينتظر السوق موافقة مجلس الوزراء بذلك حيث أن الامتياز الممنوح ينتهي بنهاية هذا العام، مشيرًا إلى أنه يتردد في الوقت الحالي أن الشركات الكبيرة تستحوذ على (45%) من حجم السوق في السعودية بطرق احتكارية، وذلك يخلق صعوبة للمستثمرين الجدد للدخول في السوق. وألمح السعيد إلى دور الاحتكار وعلى وجه الخصوص الوكالات التجارية الحصرية في تفاقم مشكلة التضخم في المملكة العربية السعودية وفي منطقة مجلس التعاون بشكل عام، حيث إن مراجعة قانون الوكالات التجارية خطوة في الاتجاه الصحيح للقضاء على جميع مظاهر الاحتكار التي تنشأ عن السماح بالوكالات الحصرية، ولا يكفي أن يسمح النظام بتعدد الوكالات من حيث المبدأ ثم يجيز التعاقدات الحصرية التي تتم بين الشركات المصنعة ووكلائها، بل يجب أن ينص القانون على منع تلك الاتفاقات ويُبطل أي شرط يلزم الشركة المصنعة بوكيل واحد أو اثنين أو أي عدد آخر محدد، لأن السماح بذلك هو إخلال بمبدأ المنافسة. من جهته، ذكر الدكتور شريف حسن الخبير الاقتصادي الدولي ، بأن العالم شهد تحولاً كبيرًا إلى اقتصاد السوق الحر القائم على حرية المنافسة، وتبنى منظمة التجارة العالمية هذه التوجه منذ نشأتها، حيث اتجهت غالبية الدول إلى إصدار تشريعات وانتهاج سياسات اقتصادية تتناسب مع هذا التحول وإعداد قوانين تنظيم وحماية المنافسة المشروعة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة وانشاء اجهزة تقوم على التطبيق الصحيح لتلك القوانين. وأشار شريف إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد أساسًا على المنافسة السوقية دون تدخل الدولة، وهي من أولى الدول التي أصدرت قانون منع الاحتكار في العام 1890م، وطبقته مرات عديدة منها في العام 1974م ضد شركة (أي تي أند تي)، وأدّى هذا وقتها إلى إنشاء (8) شركات للهاتف، بالإضافة إلى إصدار المحاكم الأمريكية أحكامًا ضد شركة (مايكروسوفت) الشهيرة للبرمجيات والتي تسيطر على (90%) من السوق العالمية لبرامج الحاسب الآلي، وذلك لحماية المستهلكين من الاحتكار. ونوه شريف إلى أنه في المنطقة العربية، وبالتحديد في مصر، يعد سوق الحديد والصلب من أبرز القطاعات التي تعاني من استفحال الظاهرة الاحتكارية، بعد أن قامت شركة العز لحديد التسليح بشراء (9.9%) من أسهم شركة حديد الدخيلة، ثم زيادة نصيبها إلى (27.9 %)، لتحتكر بذلك ما يقارب من (60%) من إنتاج حديد التسليح بجمهورية مصر العربية، والذي تزامن بطبيعة الحال في زيادة كبيرة في أسعاره، ليبلغ حاليًّا (4800) جنيه مصري للطن، وهو ما يشكل ضربة قاصمة لسوق العقارات المصري، بالنظر إلى أنه يمثل (10%) من تكلفة المنشآت السكنية و(15%) من تكلفة مشروعات البنية الأساسية، كما أدى ذلك إلى إرباك قطاع المقاولات ومعدلات انتظام العمالة بقطاع التشييد، إلى جانب تحمل المالية العامة للدولة لأعباء إضافية لدعم رجال الأعمال في هذا القطاع من ناحية ولزيادة تكلفة مشروعات البنية الأساسية من ناحية أخرى. كما نلاحظ في الأردن الارتفاع الملحوظ في أسعار الحديد بين الحين والآخر، وذلك يرجع إلى احتكار (11) مصنعًا له، حيث ارتفعت الأسعار مؤخراً بنسبة (37%) والذي أدّى إلى زيادة تكلفة البناء بمعدل (5.5%)، إذ يمثل الحديد ما نسبته (6%) من تكلفة العقارات.