من الواضح أن هيئة الاستثمار استفزّت مشاعر الكثيرين، وتسببت في إطلاق حملة شعواء عليها، وتبارت الأقلام في الصحف، وعلى الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) لمهاجمة نشاطها، بل ووصل الأمر ببعض مَن كتبوا إلى المناداة بإيقاف عملها، ولم يجد أحد الكتّاب البارزين ما يمنعه من أن يصف ما يقوله مسؤولو الهيئة ب«الكذب» في حماسة شديدة لتبني مواقف هجومية ضدها قائلاً: «المرفوض هو إعطاء البلد للأجانب». هذا الكاتب وغيره ممّن كتبوا حول هذا الموضوع يرون أن التراخيص والتسهيلات التي تقدمها الهيئة العامة لاستثمار رأس المال الأجنبي كانت عاملاً في: «انخفاض عدد الوظائف المعروضة للمواطنين في القطاع الخاص»، بينما ترى المؤسسات التجارية الوطنية أن ما تقدمه الهيئة للمؤسسات الأجنبية أكثر ممّا يحظى به المستثمر الوطني، وهذا يعطي للأجنبي ميزة لا تتوفر للمستثمر السعودي. وهناك أقاويل وإشاعات عن هيئة الاستثمار واستغلال بعض العاملين فيها لما يتوفر بين يديهم من تسهيلات لتحقيق فوائد شخصية لهم.. إلاّ أن مثل هذه الأقاويل غير موثقة، وبالتالي فإنها بحاجة إلى أن تتولى جهة رقابية من الدولة البحث والتمحيص فيها لتبرئة ساحة مَن يتّهم من العاملين في الهيئة، أو تنظيفها ممّن يسيئون إلى سمعتها. الكاتب الاقتصادي اللامع الدكتور فواز العلمي كان من أوائل مَن تصدوا لحملة الهجوم التي تعرضت لها هيئة الاستثمار عبر عموده الأسبوعي في صحيفة (الوطن)، وظهوره في برنامج إخباري على شاشة البرنامج الأول للتلفزيون السعودي، إذ طالب بتشجيع الهيئة العامة للاستثمار؛ لأنها جزء هام في سلسلة الإجراءات المستهدفة الإصلاح والنمو الاقتصادي للبلاد. وقدّم في دفاعه أرقامًا للاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على المملكة في عهد هيئة الاستثمار تشير إلى ارتفاع كبير في الأموال المتدفقة على مشاريع في البلاد. ومن الواضح أن أحد أسباب الهجوم الشرس على الهيئة هو نجاحها في عملها (ذلك النجاح الذي أدى إلى حرمان المستثمر السعودي الاستفادة من التسهيلات والفرص التي تقدمها الهيئة للمستثمر الأجنبي)، وبالإضافة إلى ذلك سعيها إلى تقديم وعود بنجاح مشاريع (مثل المدن الاقتصاديه) وعجزها عن الوفاء بهذه الوعود رغمًا عن كل التسهيلات التي وفّرتها الدولة لها، يُضاف إلى كل ذلك انشغال محافظ الهيئة في تلميع صورته على المستوى العالمي، وتجاهل الرأي العام المحلي، وعدم المبالاة بأجهزة الإعلام السعودية وما يُنشر فيها، بما في ذلك التغاضي عن الاتّهامات التي تُكال في المجالس حول أداء بعض الأفراد داخل الهيئة، ممّا أدّى إلى تحول هذه الاتّهامات إلى كتلة ثلج نشاهدها تكبر وتتضخم بشكل مثير اليوم. الهيئة العامة للاستثمار مشروع جيد من الضروري المحافظة عليه لصالح الاقتصاد الوطني، (بصرف النظر عن الأفراد فيه)، إنّما علينا أن نعترف بأن هناك أزمة حاصلة بين المستثمرين السعوديين والهيئة العامة للاستثمار، وتتمثل هذه الأزمة في أن المستثمر الأجنبي يوفَر له، عبر الهيئة، نظام مرن ينجز معاملاته في شكل سريع، على عكس المستثمر السعودي الذي يجد عوائق كثيرة، وقال الشيخ صالح كامل، رئيس مجلس الغرف السعودية ورئيس غرفة جدة، في تصريح له نشرته (المدينة) يوم 22/8/2010م، بأنه سيتم الرفع للمقام السامي بمطالب المستثمرين السعوديين في الحصول على نفس المزايا التي تمنح للمستثمر الأجنبي داخل المملكة مضيفًا: «أن هيئة الاستثمار تمنح خدمات ممتازة للمستثمر الأجنبي، بينما المستثمر السعودي محروم منها». فالمستثمر السعودي يشكو من تباطؤ وتضارب الإجراءات بين الجهات الحكومية المعنية بالترخيص لنشاطه، بينما توحدت هذه الجهات في الهيئة العامة للاستثمار بالنسبة للمستثمر الأجنبي. ومن هنا تتضح الحاجة إلى تخفيف معاناة رأس المال السعودي بدون أن يستدعي ذلك تغيير سياسة فتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي.. فالمستثمر الأجنبي، متى جرى اختيار الأصلح منه، يؤدي إلى إيجاد منافسة صحية (في ظل ظروف ومناخ متشابهين فيما بين الأجنبي والمحلي) تنعكس على المستهلك بشكل خدمة ومنتج أفضل، فالتنافس يكون عادة لمصلحة الاقتصاد الوطني، ولتحسين فرص التوظيف للمواطن السعودي. وفيما يختص بالتراخيص بالنسبة لقطاع الأعمال السعودي فإن المطلوب تيسير إنهاء إجراءاتها وفق آلية موحدة تتعاون خلالها الجهات المسؤولة، والتي يحددها البعض في وزارة التجارة والصناعة، ومصلحة الزكاة والدخل، والتأمينات الاجتماعية، ووزارة العمل.. وأن تتوفر لهذه الآلية الموحدة الصلاحيات التي جرى توفيرها للآلية الموجودة في الهيئة العامة للاستثمار حتّى تتمكن من خدمة رجال الأعمال السعوديين بالشكل المناسب. ومن المسلّم به أن التطور والنمو الاقتصادي للمملكة، أو لأي دولة أخرى، لن يكون ناجحًا ما لم تتوفر الفرص والإمكانيات للقطاع الخاص الوطني للمساهمة فيه، ويتم توسيع قاعدتنا الإنتاجية وتخصيص المنشآت الحكومية، بما في ذلك المجال الصناعي والخدماتي، وتشجيع القطاع الخاص لإثراء القيمة المضافة المحلية، والتسريع بوضع الأنظمة والقوانين وتنفيذها تحقيقًا لانفتاح اقتصادي متكامل. مّا الهيئة العامة للاستثمار فإنه حان الوقت لإجراء مراجعة لطريقة أدائها لعملها، ومعالجة قصورها وعيوبها، وتقليص احتمالات تسرّب ما لا فائدة منه من المشاريع الاقتصاديه عبرها، وعلاج أسباب إثارتها لمشاعر القطاع الخاص الوطني، وتجاهلها للإعلام المحلي، وعدم مبالاتها بتوظيف السعودي.. والبحث بعمق في أسباب تقاعسها، أو عجزها عن تنفيذ مشاريع المدن الاقتصادية الموعودة. ص. ب 2048 جدة 21451 [email protected]