معركة الهواتف الذكية أو «البلاك بيري» ليست وحدها من تخضعها دول المصدر في احتكار معلوماتها وشفراتها الخاصة، لأن الفجوة الهائلة بين من ينتج ويبتكر الحواسيب وغيرها، وبين الطرف المستورد والمشغل، قضية معقدة وطويلة، ومسافة ممتدة في التقدم والتخلف.. نتذكر زمن الحرب الباردة كيف أن أمريكا رصدت في سفارتها في موسكو حركات غير طبيعية لأجهزة تنصت ومراقبة، ولكنها عجزت عن كشفها، إلى أن جاءت الصدمة حين وقعت لوحة السفارة الأمامية لتكتشف أنها مليئة بالأجهزة المعقدة للتجسس وجرت أمور عديدة في سباق القوتين في البحر والقواعد العسكرية، وحتى الفضاء وهذا جرى وكلتا القوتين لديها ما تسابق به الأخرى عكس عالمنا المتخلف.. في العالم الثالث الذي يعتمد بشكل مطلق على ما تدفع به مصانع الدول المتقدمة ليس هناك ضوابط على استيراد أجهزة عسكرية أو أمنية، أو حواسيب تدخل في صلب الأسرار الدقيقة للاقتصاد والحياة الاجتماعية، وتبادل المكالمات وغيرها وإلا فكيف أن إسرائيل هي أول من أعلن محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أثيوبيا قبل أن تعلنه أي جهة أخرى؟ نحن خاضعون بكليتنا، ومن خلال نفوذ هذه التكنولوجيا إلى حالات اختراق ، ولعل في حالة قتل «المبحوح» سُجل للإمارات قدرتها على كشف ملابسات القضية بالصور الناطقة لأنها استطاعت توظيف آلات تصوير متناهية الدقة في الوصول إلى ما جرى في الحادثة وهو سبق إيجابي ربما فاجأ إسرائيل والعالم.. قضية الهواتف الذكية، وما قيل من أنها أعطت الحرية في العالم الثالث للمستخدم بأن يخرج عن رقابة الدول والأجهزة، لم يمنع أمريكا، وبريطانيا ومطالب مماثلة من الهند والمملكة ودول الخليج بأن تراعي الوضعين الأخلاقي والأمني، ومع افتراض أن الجانب الأخلاقي لا يحاصر بأي وسيلة معينة، إلا أن فرض احتكارٍ للشركة الكندية بأنها المتصرف المطلق بما يجري على الساحة العالمية، بينما تتراجع قوانينها مع دول أخرى بفك شفرة الهواتف، هو نوع من التمييز غير المنطقي، لكنها في النهاية ستخضع لدول المصب بأن تفرض شروطها، وإلا واجهت مشكلة مع منتجاتها، وتراجع أسهم شركاتها لأن العملية، في الدرجة الأولى أمنية، ولا يمكن لأي دولة أن تراهن على أهم حصانة لها بسلعة تهددها.. الهواتف الذكية مقدمات لأشياء أكثر تعقيداً وأكثر هيمنة على المركز العصبي لأي دولة أمنياً، في الاقتصاد والأمن العام، وحتى حسابات البنوك وما يدور في الغرف السرية، إذا كان الفارق معرفياً وتقنياً تملكه دول متقدمة وتحتكر أدق منافعه.. في عالمنا المضطرب، والذي توسعت فيه دوائر الإرهاب، وإنتاج وتسويق المخدرات وغسل الأموال والتجسس المفتوح، لا تتقدم المنفعة الفردية بدعوى الحرية، على الأمنية، لأن الأخيرة خيار دفاع عن مصير ووجود، ولا يمكن التسامح مع منتج لا يوفر السلامة الاجتماعية..