إنَّ أمن بلادنا من أولوية الأولويات ،ومن حقنا كمواطنين على حكومتنا أن توفر لنا هذا الأمن ،ومن واجباتنا كمواطنين أن نتعاون معها لتوفيره ،ومعروف أنّ خطورة خدمات «البلاك بيري» تكمن بالدرجة الأولى، في أنها عابرة للصلاحيات التشريعية التي تملكها الدولة لحماية المصلحة العامة، بمعنى أنه لا يمكن لأي جهاز في الدول، وفق أي تشريع أن يصل إلى أي نوع من البيانات المنقولة عبر «البلاك بيري»، مهما كانت خطورتها،ما لم يكن لدى الدولة الشفرات التي تُخوِّل لها الدخول على الشبكات العاملة بها لأغراض أمنية ،ولتوضيح الصورة أكثر ،سأضرب المثل بلبنان الشقيق الذي يعاني من كثرة شبكات التجسس به لصالح إسرائيل ،فيُذكر أنه منذ 2009 اعتقلت السلطات اللبنانية نحو مئة شخص بشبهة التعامل مع إسرائيل، وذلك في إطار حملة أمنية واسعة النطاق لمكافحة التجسس، وتم الكشف عن الكثير من هؤلاء بفضل بيانات هواتفهم الخلوية ،ولكن ماذا عن الذين يستخدمون خدمات البلاك بيري،خاصة وأنَّه يوجد في لبنان 60 ألف مستخدم له؟ فالمخاوف الأمنية في لبنان في ازدياد داخل شبكة الاتصالات»، خاصة بعد التوقيفات التي نفذتها الأجهزة الأمنية أخيراً، وطالت ثلاثة موظفين في قطاع الهاتف الخلوي يشتبه بتعاملهم مع إسرائيل. وقرار هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمملكة العربية السعودية بإيقاف خدمات البلاك بيري عن الشركات المشغلة للاتصالات المتنقلة في البلاد « STC» ،و»موبايلي»،و»زين» قرار صائب مليون في المائة ،وذلك حفاظاً على أمننا ،خاصة بعد رفض الشركة الكندية « ريسيرش إن موشن» RIM « الالتزام بمتطلبات الترخيص للعمل في الأسواق السعودية ،وهي الحصول على الشفرات التي تخول للحكومة الدخول على الشبكات لأغراض أمنية ؛ إضافة إلى أن تعمل الشركة الكندية على توفير «خوادم « سيرفرات» في المملكة لتخزين المعلومات والبيانات فيها بدلاً من تخزينها في خوادم في كندا وأمريكا وبريطانيا ،كما هي الحال الآن ،وهذا من حقنا ،في وقت رضخت هذه الشركة لقوانين إسرائيل ،كما نجد دولاً مثل أميركا وبريطانيا عملت على سن تشريعات تساعد على تطبيق القانون وتتيح للدولة اعتراض شركات الاتصالات لمساعدة الدولة على الوصول إلى خدماتها. والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا لم تستجب شركة « RIM» لمطالب المملكة العربية السعودية والإمارات ،ولبنان ،بينما رضخت لمطالب إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وغيرها،ومؤخراً خضعت لمطالب الهند ؛ إذ قالت صحيفة «إيكونوميك تايمز»، الصادرة في 5 أغسطس / آب ، نقلاً عن وثائق حكومية داخلية، «إن شركة «آر آي إم» وافقت على مشاركة الأجهزة الأمنية في الهند في رموزها الفنية لخدمات البريد الإلكتروني للشركات، وأن تتيح للأجهزة الهندية الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني لجميع المتعاملين في غضون 15 يوماً.» إنَّ إعطاء هذه الشركة لبعض الدول حق فك شفرات شبكات الاتصال بها للبلاك بيري ،ومنعه عن بعض الدول يؤكد أنَّه ليس من مبادئ هذه الشركة الحفاظ على خصوصية عملائها ،كما تدعي ،وأنَّها لن تفرط في أمن هاتفها الذكي بلاك بيري ، خاصة أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية اعترفت بتجسسها عبر البلاك بيري ،وهذا يعني أنَّ هذه الشركة الكندية أعطت للولايات المتحدةالأمريكية شفرات جميع مستخدميها ،وليس الخاصة بالولاياتالمتحدةالأمريكية ،خاصة أنّ بعض خوادمها موجودة في الولاياتالمتحدة، ولا ندري ربما يكون أصحاب هذه الشركة الحقيقيون يهودا صهاينة من جنسيات متختلفة ،أو متصهينين يتسترون وراء الجنسية الكندية ،وإلاَّ لمَ الإصرار على موقفها رغم تنفيذ المملكة العربية السعودية لقرار قطع خدمات البلاك بيري ،والإمارات ستنفذ قرارها في الشهر القادم،وهبوط أسهم هذه الشركة 4% لمجرد المخاوف من حجب السعودية خدمات الشركة ،فما بالكم الآن بعد قطعها بالفعل،وتتلوها الإمارات ،ولبنان في الطريق إلى ذلك؟. وليس بغريب عن وزارة الخارجية الأمريكية إعرابها عن أنَّ الولاياتالمتحدة شعرت بخيبة أمل تجاه خطط الإمارات لحجب خدمات رئيسة لهواتف «بلاك بيري»، معللة ذلك بأنّها ترسي سابقة خطيرة في تقييد حرية تداول المعلومات،في حين أنَّها هي ذاتها قيَّدت حرية تداول المعلومات في بلادها وبلاد غيرها ،وأين هي من تقييد إسرائيل من حرية تداول المعلومات ؟ وليس بغريب تدخل وزيرة الخارجية الأمريكية في قرار الإمارات العربية بشأن قطع خدمات البلاك بيري ،مع أنَّ الشركة كندية ،وليست أمريكية، فوجود بعض خوادم هذه الشركة في الولاياتالمتحدةالأمريكية،وقيامها بالتجسس عبرها يفسر لنا استياء الولاياتالمتحدة من موقف الإمارات العربية المتحدة. وأنا هنا أعتب بشدة على هيئة الاتصالات بالمملكة بسماحها بإدخال خدمات هذه الشركة قبل المطالبة بإلزامها بإعطاء الحكومة السعودية شفرات الشبكات العاملة بها ،ووضع الخوادم الخاصة بعملائها في المملكة داخل المملكة ،وليس خارجها. ولكن هكذا نحن العرب نجري وراء التقنيات الحديثة دون أن ندرك مغباتها وخطورتها وسلبياتها لنتفاداها ،ومن يدري فكم من عميل جندته إسرائيل لصالحها وزرعته في بلادنا ليقدم لها ما تريده من معلومات من خلال « البلاك بيري» خاصة وأنَّه يوجد لدينا 750 ألف مستخدم له؟ وكم من إرهابي جندته الشبكات الإرهابية لتنفيذ عملياتها الإرهابية من خلال البلاك بيري؟ يكفي أنَّ الولاياتالمتحدةالأمريكية متحكمة في الشبكة العنكبوتية ،وبإمكانها اختراقها لمواقعنا في هذه الشبكة في أية لحظة . إنَّ سيطرة الغرب على وسائل التقنية والاتصالات يهدد أمننا القومي نحن العرب والمسلمين ،وآن الأوان أن يكون لنا دور فعَّال وإيجابي في هذا المجال ،وأنا أعوِّل على مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ،وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ولوجنا هذا المجال بقوة بالتنسيق بينهما ،وأتمنى أن تضعا هذا من أولوياتهما ، لأنَّه يتعلق بأمننا الوطني. [email protected]