إذا قلنا إن الإعلام في انتشاره هو استمرارية أوسع وأشمل لمكانة الثقافة القديمة في الأوساط الاجتماعية، فهذا غير صحيح، لأن معظم ما تمّ توارثه من مؤلفات ثقافية كان يعتني بنقل أو معالجة شؤون فكرية أو عقائدية أو اجتماعية.. بعضه يخطئ.. لكن في وجهات نظره لا يقوم باستهداف فئة رأي أخرى بل تتسلسل الأفكار.. تصحيحاً أو خطأً، عبر امتداد زمني.. إن الإعلام في الواقع هو أقرب وريث لما كان المجتمع يتداوله من قصائد بعضها كان يغذّي الحروب أو يفجّر مسبباتها، كما في العصر الجاهلي، ثم أتى العصر الأموي لنجده أداة غرض توجّهها فئات ضد أخرى، أو أداة استرزاق اعترف بها المجتمع وأعطاها لقب المديح.. في العصر الراهن.. ومنذ ما بعد الثورة المصرية نجد أن الإعلام اُستخدم كلسان عذب ذرب ومبطن القسوة لضبط الناس في طوابير الولاء.. نلحظ ذلك في تحوّلات الصحافة المصرية ومثلها اللبنانية ثم الكويتية.. ثم تحوّلت إلى تعدّد ولاءات متصارعة.. ما هو وضع صحافتنا المحلية؟.. لقد أعطاها الملك فيصل - رحمه الله - تأسيساً جديداً عندما أوجد المؤسسات لا صحافة الأفراد، وكذا نظام المطبوعات.. وطوّر الملك عبدالله حريات النشر وأحال قضاياها إلى لجنة إعلامية بدلاً من محاسبة القضاء.. لكن كيف هي؟ ما مدى ابتعادها عن مضمون شعر «ألا لا يجهلن أحد علينا.. فنجهل فوق جهل الجاهلينا»، ومن مفاهيم شعر الشتات في المضمون؟.. يفترض أن تكون هناك موضوعية واعية تدرك طبيعة أوضاع المرحلة الاجتماعية الراهنة.. وطبيعة حالات التحول الكبيرة نحو البناء التقني والحضاري.. لدينا مؤسسات إنسانية وأخرى أهلية.. ما مدى موضوعية التعامل مع تحسينها وتطويرها؟.. طريقة تناول أي خلل سواء كان حكومياً أو أهلياً؟.. كيف هو وجود التوازن في معالجة ذلك الخلل؟.. تصحيح الخطأ لا يتم بلغة الهدم.. فالإعلام أساساً ليس خصوصية رأي شخص، ولكنه في الأساس خصوصية مصلحة مجتمع.. أحب الإشارة إلى أنني لا أعمّم هذه الرؤية فهناك كتّاب موضوعيون يباشرون واجبات وطنية إعلامية، لكن، مثلاً، وجود ثلاثة غاضبين دائماً ورافضين دائماً ما بين ثلاثين عاقلاً هو إسفاف يسيء إلى أكثرية فاضلة..