كبار المسؤولين الذين مرّ ذكرهم في موضوعي يوم أمس عن الصحافة ليس عرض ثناء عليهم، لأن ما بأيدينا من منجزات لهم يفوق ما حدث في مجال واحد هو الصحافة.. أردت التأكيد أن خصوصية الصحافة السعودية تنطلق من ولاء مشترك لمصلحة وطنية عليا.. ليس لدينا صحافة فئات ولا صحافة انتماء لولاء خارجي مثلما هو الحال في كثير من الدول العربية.. لقد أدركنا في ازدهار عمر نمونا أننا كنا مخدوعين ببعض فئات الصحافة العربية التي كانت تتاجر بالمشاكل والولاء المتعدد الأغراض المصلحية أو الفئوية.. نحن بلد موعود بأمجاد كثيرة، لأننا نملك مؤهلات الوصول إلى هذه الأمجاد بخصوصية إمكانيات لا تتوفر في أي مجتمع عربي آخر.. هذه الصين بنت لنفسها حضوراً دولياً ولم تقبل أن تكون صحافتها عائقاً لنمو أكثر من بليون صيني يحتاج إلى ازدهار التقدم، الشيء نفسه يقال عن الهند وما تحفل به الصحافة الغربية من بروز دولي لم يجعلها أن تكون ملاذاً للتوغل ضد مصالح مجتمعاتها.. الصحافة هنا تؤدي دوراً عليه مسؤولية تعميم قدرات الوعي، فالمال وحده لا يكفي متى لم يوجد وعي يبصر بضرورات صيانته ومنطلقات الاستفادة منه، والتعليم لا يستطيع أن يتخطى حواجز التخلف ما لم يتجه مباشرة نحو أهدافه دون التعثر بمعيقات اجتماعية انعزالية أو انغلاقية، والصحافة مسؤولة أولى في مهمة تعميم الوعي بذلك.. إن كل شيء يمكن أن يشترى لكن لا يمكن لأي عقبات اجتماعية أن تروض ما لم يكن هناك وعي عام قادر على إعاقتها عن ممارسة توطين الركود أو التخلف.. الدول القوية مالاً والقوية سلاحاً ليس هذا وحده منطلق أمنها العام ولكن توفر الوعي في مجتمعاتها هو السند الأول في حمايتها من التراجع.. الوعي مهمة صعبة لا تشترى ولا تباشر بقسوة الإلزام وإنما تتوفر بإشاعة المعرفة الاجتماعية في إيضاح ما هو ضروري وما هو عائق.. إن أي فئات منحرفة الأهداف لا تستطيع أن تقطع تقدم دولة غربية، لكن من السهل في المجتمعات النامية أن تفعل ذلك أكثر من فئة وذلك لضعف انتشار الوعي العام.. وصحافتنا التي انطلقت من مرحلة الثماني صفحات إلى مرحلة ما فوق الستين صفحة هي مواكبة لنمو أكبر جعل من مدننا الرئيسية مثل الرياضوجدة والدمام مواقع تطور سكاني ومهني واقتصادي كل منها في حجم دولة.. هذه مهمة ليست بالسهلة وقد حدثت والصحافة هي الوسيط المتقدم بين المواطن وما هو مطلوب لمجتمعه.. ولذا فحين يثار لغط حول الصحافة أو يأتي من يطالب بقسوة عقوبتها رغم أننا لا نجد أي جنوح صحفي لكن تخلف المفاهيم وتصورها عند البعض الذي ما زال مرتبطاً بثقافة عصر بيت الطين هو الذي يستظل بالركود والانغلاق لأنه عاجز تأهيلاً ووعياً عن إدراك واقع التطور المنطلق والذي يدرك (أي الواقع الراهن) أن الأمر في الالتزام التنموي وتنوير الوعي أمر هو أن نكون أو لا نكون، ومن لا يريد - أن يكون - عليه أن يبقى في عزلته، لكن دون اعتراض أو تشكيك في نزاهة من يريد أن يكون..