اقترنت مسميات الأحياء في مدينة (الرياض القديمة) بأسماء الطبيعة الجغرافية أو الصفة المناخية للمكان، أو المواقف والقصص الشخصية والتاريخية على مدى عقود طويلة، فكانت لها دلالات خاصة تشير إلى سبب التسمية. مسميات كثيرة يرويها لنا رجال شاخ بهم العمر ولكن لم تشخ بهم الذاكرة.. رجال عاشوا تاريخها فحفظوه وعاش معهم التاريخ فحفظهم. لقد تركت لنا الأحياء القديمة الفرصة في البحث عن تاريخها، وقدمت لنا الخيارات في نوع الوسيلة وطبيعة الأسلوب، فاخترنا هنا البحث عن المعلومة..ليس من بطون الكتب إنما مع أهلها، ممن عايشوها من كبار السن والمؤرخين، فتقاسمنا معهم الهدف وقاسمونا متعة «اللهجة الشعبية» التي امتعتنا وأضفت على أحاديثهم البيضاء أسلوباً من التشويق السردي للأحداث، حيث سعدنا بصحبتهم ونحن ننتقل معهم بالأقدام ما بين حي وحي، وشارع وآخر، وفي كل مرة نخطو إلى الأمام تعيدنا ذكريات «الزمن الجميل» إلى الوراء، داخل الحارات القديمة، والبيوت الطينية. وحتى نعطي صورة أوضح للأحياء اختاروا لأنفسكم وجهة الحي الذي تفضلونه لقراءة هذا الموضوع، أم سليم شمال شرق الرياض، البديع طريق قديم يبدأ من نهاية شارع الفريان ويتجه جنوباً إلى منفوحة، البطحاء يقع شرق الرياض، الثميري مدخل الرياض القديم من جهة الشرق، الثميرية شرق العجلية وشمال الشميسي، جفرة القطعي تقع في دخنة، الحساني شمال القرينين وشرق البديع، سكيرينة تقع في الطويلعة، صياح تقع في الجنوب الغربي من الرياض، الظلمة سوق الزل الحالي، الظهيرة شمال بلدة الرياض قديماً، عتيقة جنوب صياح، العريجا غرب بلدة الرياض، العود شرق الرياض،معكال جنوب بلدة الرياض، المعيقيلة غرب ظهيرة، القناعي غرب الجامع الكبير، البطيحي آل عمران تقع غرب الجرادية، ثليم يقع في البطحاء من جهة الغرب، جبره يقع شمال معكال، الخان سوق وسط الثميري. أهم الشوارع «الثميري» و«الصفاة» و«الظهيرة» و«البديع» و«المشيقيق» «جفرة القطعي» في دخنة و«الحساني» و«الخان» و«ظلمة» و«سكيرينة» أخذت شهرتها من مواقعها التجارية بداية الانطلاق في حي الديرة كانت الانطلاقة.. كان الحديث مليء بالأسئلة التي تنتظر الإجابات، حرارة الجو وأشعة الشمس التي تعامدتنا من كل اتجاه.. ألهبت تناوب الحديث بيننا.. صمت البيوت الطينية الصغيرة التي مررنا بها في كل اتجاه لطّفت حرارة الجو نوعاً ما.. عندما أشار الأستاذ «سعود اليوسف» 60 عاماً الباحث في التراث الشعبي بيده إلى بعض البيوت التي هجرها أهلها، وقال: «إن الكثير من المؤلفين أجمعوا على أن أحياء الرياض تسمت بجغرافية الأرض، بالإضافة إلى من سكن فيها من الأسر، ولنأخذ مثلاً باسم الرياض نفسها، سميت رياضاً لما كانت تتمتع به من النخيل والبساتين، واستمر الاسم إلى وقتنا الحاضر، وهذا معروف عند العرب، فاسم المكان جزء من تاريخ موقعة». أم سليم والشميسي وسكيرينة وعلى الجانب الآخر قال «منصور إبراهيم القيضي» 80 عاماً أحد رواد التاريخ الشفوي لدارة الملك عبدالعزيز أن الأعوام التي مضت لا تزال في ذاكرتي، وأحياء الرياض القديمة هي جزء من هذه الذاكرة المثقلة بكل ما هو جميل. وأضاف في شبابي عملت في قصر الملك عبد العزيز آل سعود - طيب الله ثراه -، وتحديداً في القصر الشمالي، وكان عملي يقتصر على تأمين الطلبات وجلبها من السوق، وبعد أن دخلت السيارات إلى الرياض تعلمنا كيف نقودها ونجلب عليها متطلبات القصر, مشيراً إلى أن قصر ثليم عرفناه بهذا المسمى ولا أعرف سبب تسميته سوى أنه قصر توزع فيه الصدقات والعوائد على الناس، واشتهرت الرياض بالزراعة أكثر منها في التجارة، وكان يحيط بها إحدى عشر «دروازة»، وبداخلها أحياء صغيرة وشوارع ضيقة ومتعرجة وغير مضاءة، مثل شارع الظهيرة صفة مكان المرتفع عن سطح الأرض، وأم سليم نسبة إلى أسم سكنت المكان، والشمسي نسبة لأسرة الشماسي من أهل القصيم، وهكذا.. بالإضافة إلى أسماء في الأصل كانت قديمة ومعروفة عن أهل الرياض، مثل منفوحة وهي بلدة خارج الرياض في ذلك الوقت، وحي سكيرينة نسبة إلى أسرة سكيرين. راشد العساكر دخنة وشارعي المشيقيق والصفاة.. وفي زاوية أخرى من المكان، توقفنا مع المؤلف والمؤرخ محمد القويعي طويلاً، و-أسلوبه لايمل- وفتح لنا جوانب مهمة حول هذا الموضوع، وقال:»إن الأحياء كانت محدودة، والشوارع لم تكن مسفلتة أو مستوية على الأرض، وإنما متعرجة، وكنا نصعد ونهبط في درب يسير عليه الناس والماشية، مثل طريق الصفاة وهو اسم الحصى فقد كان الطريق مليء بالحجر الصلد غير القابل للحفر». وأضاف أن حي دخنه الذي كان يتوسط مدينة الرياض ويوجد به مجمع رباط الأخوان الذي يفد إليه طلبة العلم، وكنت أعمل فيه واكتب لبعض المكفوفين، وكان في آخر الشارع حوالي (20 دكاناً) ولم يكن هناك سوق يضاهيه في الأهمية، وكان يعيش في حي دخنه «حمايل» الرياض المعروفين، ومن ثم هناك شارع «المشيقيق» و شارع «الشميسي القديم». «ابن عتيق» يأخذ أموال «الصبرة» ويوزعها على المحتاجين في «مسجد المريقيب» العود ومعكال والقرينين والظهيرة واشار إلى أن أحياء العود والمعكال ورد فيها أشعار شعبية قديمة تدل على أن أصل اسميهما كانا قديمين جداً, كما عرف قديماً قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، حيث ورد في الأخبار أن أحياء (القرينين، معكال، الظهيرة، دخنة) كان بينهما صراع على موارد الماء، وهناك أشعار شعبية تدل على هذه الحقائق التاريخية، بالإضافة إلى كثرة المقابر الموجودة بين النخيل في مدينة الرياض، حيث كان سكان الحارات يدفنون موتاهم في نطاق أحيائهم وبين نخيلهم، وكان الخوف وعدم الأمان منتشر في ذلك الوقت. الزميلة نوال الراشد تستمع الى شرح عن أحياء الرياض من الباحث العساكر القري وبن نصار وقال إن الثميري والقري كان أمامها بوبات تعرف بأسمائها، أما حي بن نصار فهو نسبة إلى رجل اشتهر من أسرة بن نصار بنزاهته وذمته بين أهل العقار في ذلك الوقت، فله جريدة معروفة باسمة تسمى جريدة بن نصار و(الجريدة) هي مقاس يقاس به ذراع الأرض قبل شرائها قبل أن يعرف المتر ويحدد مقاسه بهذه الجريدة، وهي معروفة لدى أهل العقار. ذكريات «الوقافين» واشار إلى أن أهل الرياض اشتهروا بكثرة البساتين والنخيل التي امتلكها البعض من الأسر، حيث كان هناك رجال يعرفون ب»الوقافين» على النخيل، كأن يكون لدى رجل نخيل يملكها ومن ثم يقوم رجل آخر باستئجارها منه لعدد متفق علية من السنين، حيث يزرعه ويستثمره ولكن في الأساس يرجع لصاحبة المؤجرة له. «جريدة ابن نصار» محل ثقة العقاريين..و«الدحو» أجمل ما تبقى منفوحة وحجر اليمامة انتهى حديث القوعي فمكان منا إلا أن وصلنا إلى «راشد العساكر» المؤرخ والباحث التاريخي في حي المصانع في جنوبالرياض، وكانت له رؤية أخرى معاصرة مبنية على رسالته العلمية التي كتبها في تاريخ منفوحة القديمة، وقال: إن مسميات الأحياء والشوارع لها مدلولات تختلف بحسب الموقع والمكان، وفي اللغة وعند العرب يعرف أن تكوين الاسم مأخوذ من صفة تكوين الأرض التي تقع بها، مثلاً حجر اليمامة ماخوذ من الاحتجار، والاحتجار هو احتجارها من قبل الجبال المحيطة بها، وأما منفوحة لم يؤخذ اسمها من صفة المكان إنما من صفة الطبيعة ومناخها، فعرفت بها، وهي (نفح الهواء العليل)، فعرفت بأن الرياح التي تهب عليها في غالب أوقات السنة من جهة الشمال فسميت منفوحة، مشيراً إلى أن بنو عبيد بن ثعلبة الحنفي عندما قدم إلى حجر اليمامة، قدم بعدة أبناء عمومتة، وقالوا له كما هو مكتوب في كتب التاريخ اسكنا معك في حجر اليمامة ولكنه رفض إنما قال: (سأنفحكم) إلى جنوب حجر اليمامة فاسكنوهم فيها. سعود اليوسف متحدثاً عن الأحياء القديمة الثميري وصياح واضاف أن شارع الثميري معروف باسم رجل يقال له «ثميري» قتل عند باب الثميري نفسه، خلال حرب الدولة السعودية عام 1160ه، مشيراً إلى أن حي صياح استدل الاسم على سياحة الماء تدفقه وجريانه في هذه المنطقة، وكما هو معروف لدى العامة باسم (صياح أو سياح) فكلا الحرفين السين والصاد في اللفظ العربي لها نفس المخارج الحروف المتقابلة في النطق. حي المصانع واشار إلى أن حي المصانع فالثابت أنه اسم جاهلي يطلق على البناء المرتفع، وكما ذكر في القرآن ويتداولها العرب في اللغة (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) -سورة الشعراء-، وربما هي صنوع مياه مجاري سقيا النخيل التي كانت تغذى من الآبار والأقوال متضاربة، ولكن الصحيح هو أنه اسم قديم جداً عرف في القرن الثامن الهجري عن طريق فضل الله العمري صاحب كتاب مسالك الإبصار، وتوفي سنة 779 هجري أورد في كتابة سكنى الأمة التي كانت موجودة مابين حجر اليمامة ومابين منفوحة والمصانع القديمة. «الوقافين» عاشوا حياتهم في «حلال غيرهم» السبالة ومسجد المريقيب وقال «العساكر» إن سبب تسمية حي السبالة بهذا الاسم يعود إلى «التسبيل»، وهو نوع من أنوع الوقف الخيري، حيث كان في الرياض مسجد يقال له المريقيب في الديرة، وكان المسجد قد أزيل وعليه أوقاف أهل الرياض، وبعدها تم اختيار مكان آخر لبناء المسجد فوجدوا أرض بالقرب من شارع الشميسي القديم، وتم البناء فيها وعرف بحي السبالة الموجود فيه هذا المسجد، وكان الناس يشترون بالقرب منه أرضاً صغيرة جداً ويبنون عليها بيوتاً ومن ثم يوقفونها لمدة 50 سنة -أقل أو أكثر- يسمونها الصبرة، ويدفع قيمة تأجيرها وإعطائها المسؤول عن مسجد المريقيب التي كان يشرف عليها في ذلك الوقت رجل يقال له «ابن عتيق» الذي ينفق هذه الأموال على حاجة الناس من الفقراء والمساكين. اختلاف التسمية على «عليشة» وأضاف أن اسم «عليشة» كثر الجدل حول سبب التسمية، وكان المؤرخون يتوقعون أن الاسم يرجع إلى شخص أسمة عليش مثلاً، ولكن وجد في الوثائق إلى أن الاسم في الأصل يرجع إلى أسرة عقيل بن دويس وهي أسرة قديمة ومشهورة. حي الدحو واشار إلى أن الحي الذي لايزال محتفظاً بنفس رونقه الطيني القديم هو «حي الدحو» الذي يقع الآن في جنوب شارع الثميري، فهو لم يتغير طرازه المعماري ولم يتأثر بعوامل التعرية، فالهيئة العليا لمدينة الرياض وضعت خطة للحفاظ على هذا الحي كنموذج تراثي مفتوح في مدينة الرياض القديمة، وشاهد على تاريخ الحياة الاجتماعية لسكانة. دور المرأة الخيري وأكد «العساكر» في ختام جولتنا على الأحياء القديمة على أن المرأة لم تغب عن المجتمع النجدي، حيث عرف النساء في ذلك الوقت بحبهن وممارستهن للأعمال الخيرية داخل هذه الأحياء، مشيراً إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون المرأة غنية أو أماً لفلان، ولكن من خلال آلاف الوثائق، وجد أن نساء أوقفن مزارع ونخيل ومساجد وكتب وأعمال للحج ومياه سبيل، وبعد مرور السنين اكتشف أنها باسم امرأة ولم تعرف في وقتها أسباب اختفاء ذكرها، واعتقد أن الصبغة الدينية كانت عامل مؤثر في المجتمع الذي كان يحرص على إخفاء اسم المرأة لوقفها. سوق المقيبرة وسط الرياض أوائل السبعينات مدينة الرياض في أواخر الستينات هجرية