تشهد مملكتنا الحبيبة نقلة حضارية عملاقة على الأصعدة كافة بدعم كبير من حكومتنا الرشيدة، ومن أجمل ما شاهدت هو تلك الساحات الخضراء التي بدأت تنتشر بشكل جميل داخل أحياء مدينة الرياض وآمل أن تنتقل لبقية مدننا الغالية. إن النقلة الكبيرة التي قام بها سمو أمين أمانة مدينة الرياض بتوجيه ومتابعة من أميرنا المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وذلك بصناعة الأرض الخضراء لشيء كبير يدعو للفخر والإعجاب فجميعنا شاهد حدائق الأحياء بثوبها الجديد وكيفية الاستفادة منها لأهالي الحي بعد أن كانت مهجورة أو مقتصرة على وجود بعض العمالة. وأنا هنا أود الحديث عن مكان آخر يجب وضع الحلول الصحية له وهو مقاهي المعسل ومقاهي الإنترنت، والتي تعج بوجود مئات الألوف من الشباب، فالأولى قامت أمانات المناطق مشكورة بوضع حل جزئي لها وذلك بإخراجها من داخل المدن حفاظاً على صحة السكان من سمومها وأخطارها، إلا أن المشكلة مازالت قائمة بل تضاعفت، وذلك لبعد تلك المقاهي عن عين الرقابة الأسرية، ومن يذهب لتلك المقاهي فسينفطر قلبه من وجود مئات السيارات تقف أمام تلك المقاهي، وحين يدخلها يحزن على مئات الشباب الذين بعمر الزهور وهم متسمرون أمام أجهزة التلفاز، وبأيديهم أنواع المعسل يستنشقونها لساعات طويلة فأي جهاز تنفسي قادر على تحمل تلك السموم ولفترات طويلة! وأي عقل محصن قادر على فلترت الغزو الفكري والإجرامي المنبعث من تلك القنوات؟ ولقد كان استخدام الشيشة سابقاً مقتصرا على كبار السن وبشكل محدود جداً، بين أصحاب سيارات الأجرة، فأصبح الآن استعمالها في المقاهي والمتنزهات والاستراحات بين شبان في عمر الزهور، ولقد تفنن صانعوها ومنتجو التبغ في تجميل أشكالها وألوانها وزخارفها وفي تصنيع التبغ بروائح ونكهات مختلفة بأنواع الفواكه والزهور.. وذلك لكي تجتذب أكبر عدد من أبنائنا، قتلا للشباب، وتدميراً لأجسامهم، وأوقاتهم، دونما رأفة، أو رحمة، أو حساب للتدمير الذي تسببه هذه الآفة الخطيرة. إن نظرة سريعة إلى الدراسات والإحصائيات التي قامت وتقوم بها هيئات صحية عالمية وإقليمية عن أخطار التدخين عموما - والشيشة بشكل خاص - توضح بشكل لا يقبل النقاش أو الشك أضرار هذا السلاح الفتاك، نظرا لاحتفاظ مدخن الشيشة داخل رئتيه بكمية كبيرة من أول أكسيد الكربون السام، في أثناء عملية احتراق التبغ مع الفحم إضافة لتأثير النيكوتين والقطران الذي ينتج عنه الدوران (الدوخة)، والصداع والخفقان والغثيان والسعال، وغير ذلك على المستوى القريب وكذلك ما تحدثه تلك المواد من تدمير كبير لأجهزة الجسم وإصابته بالعديد من الأمراض على المستوى البعيد ومنها: سرطان الرئة حيث تكون نسبة الوفيات الناتجة عنه لدى المدخنين أكثر ب 23 مرة عنها لدى غير المدخنين، وسرطان الفم والحنجرة وسرطان المريء وسرطان المرارة وسرطان البنكرياس وسرطان الكلية والبروستاتا، وكذلك السل الرئوي والربو المزمن وضيق التنفس والالتهاب الشعبي المزمن والذبحة الصدرية وتضيق الشرايين المحيطية، الذي قد يتطور إلى بتر الأطراف، وكذلك يؤدي إلى فقدان الشهية والاضطرابات الهضمية والوهن والضعف الجسدي العام والأرق والتوتر والاكتئاب وضعف الذاكرة وضعف البصر، نتيجة الدخان السام المتطاير إضافة إلى أنه يزيد نسبة الولادات المبكرة والأطفال قليلي الوزن لدى الأمهات المدخنات، كما يؤدي لأن يكون أطفال تلك الأمهات، أقل ذكاء من المتوقع، كما يكون هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للموت المفاجئ في أثناء فترة الرضاعة. وتدل الدراسات الحديثة كافة على أن هذه الأضرار لا تختلف باختلاف طريقة التدخين وهي متماثلة بالنسبة للسيجارة أو الأرجيلة (الشيشة). وقد جاء في أحدث التقارير الصادرة مؤخرا في جنيف عن أن مدخنا يموت كل عشر ثوان في العالم نتيجة للتدخين! وأنه خلال الفترة بين عام 1950 وعام 2000 قضى التبغ على نحو (60) مليون شخص في الدول النامية فقط! نصفهم في سن الشباب! أما غير المدخنين الذين يتضررون جراء تدخين الآخرين فحدث ولا حرج من تأثير التدخين السلبي. لذلك لا نستغرب الآثار المدمرة للتدخين إذا علمنا بأن الدخان يتكون من: غاز أول أكسيد الكربون، وعنصر الرصاص الثقيل السام، ومادة البنزوبيرن التي تؤثر في ظهور السرطان، وكذلك يتكون من النيكوتين وهي مادة سامة جداً لدرجة أن مليغرام منها تقتل إنسانا إذا حقن بها دفعه واحدة عن طريق الوريد، إضافة إلا أنه يتكون من عنصر البلونيوم الذي يتركز في رئة المدخن، ويفتك بها، ويشتمل على القطران وهي المادة التي تؤدي إلا اصفرار الأسنان وإضعافها، وكذلك الزرنيح الذي يستعمل في إبادة الحشرات، إضافة إلى المواد التي تضيفها المصانع من كحول ومواد مطيبة من أجل تلطيف رائحة التبغ والاحتفاظ برطوبته. لذلك وأمام تلك المخاطر الجسيمة فإننا نتطلع إلى تعاون كبير من أولياء الأمور والمدارس والجهات المختلفة الحريصة على بناء الشباب وتنشئتهم تنشئة سليمة صحيحة بحيث يركزون اهتمامهم في توجيه الشباب ونصحهم، وبيان الأخطار الناجمة عن التدخين وغيره من العادات الضارة والخطيرة. إلا أن ما يجري من انتشار للمقاهي من دون حسيب ولا رقيب ودفعها الشباب إلى تدخين الشيشة والسجائر كل ذلك يضاعف من الأخطار المحدقة بالشباب، فمختلف الأمم والهيئات مازالت تعاني صرف بلايين الأموال من شركات تصنيع التبغ، لأغراء وإغواء الشباب على التدخين، بينما تبذل الجمعيات والجهات الصحية والتوعوية الجهود المضنية من خلال الندوات والملصقات والتوعية بواسطة وسائل الإعلام المختلفة لتحذير الشباب من أخطار التدخين بأنواعه وأشكاله على صحة المدخنين وغير المدخنين وعلى البيئة بشكل عام! وحقيقة فأنا هنا لست بصدد الحديث عن أضرار (التدخين) بنوعيه المعسل والسجائر، ولا للحديث عن حرمته في الشرع فقد أشبع ذلك بحثاً وتحذيراً، ولكنني هنا للحديث عن الحلول الممكنة للحفاظ على مكتسباتنا، وهم شبابنا الذين يعدون أكبر ثروة وطنية يجب أن نحافظ عليها، والتي باتت تلك المقاهي (سواء مقاهي المعسل أو الإنترنت) تهدد حياتهم ومستقبلهم لكونها تعد مرتعاً خصباً لتفشي الأمراض والمخدرات والجريمة والانحراف الفكري والعقدي، من خلال الفراغ الكبير والقنوات الفضائية المبنية على الإثارة والجريمة! علماً أن شبابنا يحاول أن يلتمس لنفسه العذر في ذهابه لتلك المقاهي المدمرة، بتساؤله أين يذهب؟ فلا توجد لديه خيارات أو بدائل، فلا توجد لدينا غابات أو متنزهات طبيعية، أو شواطئ بحرية، أو أماكن ترفيه أخرى، فنجد بعضه يتحين وقت المباراة ليذهب للملعب، وبعضهم الآخر يعرض نفسه لمخاطر التفحيط لتسلية نفسه... الخ فلماذا لا نساهم نحن بصناعة رجال المستقبل، بدلاً من تركهم يرتمون بأماكن الضياع. لدي اقتراح أرغب طرحه على الجهات المختصة من إمارات، وأمانات، مناطق، وهو تخصيص أراض من أملاك الدولة لإنشاء مقاه تجارية نظيفة خالية من التدخين (تحت إدارة القطاع الخاص)، وتحتوي على مسطحات خضراء، وتشتمل على جميع وسائل الترفية المباح وتكون فيها مطاعم راقية، وجلسات بها قنوات تلفزيونية رياضية، وإخبارية، وثقافية، وعلمية، وأجهزة حاسب آلي موصول بالشبكة العنكبوتية (الإنترنت) من خلال شبكة داخلية وتتاح في تلك المتنزهات الفرصة للقطاع الخاص بعرض منتجاته وتقديم الجوائز والهدايا التسويقية وتقام فيها مسابقات علمية ومناشط تربوية وأجنحة إرشادية مثل: جناح ثابت لإدارة المخدرات للتعريف بالمخدرات وأضرارها. جناح ثابت لوزارة الصحة للتحذير من التدخين وبعض الممارسات الخاطئة. جناح وزارة العمل لإرشاد الشباب عن احتياجات سوق العمل ليبني نفسه من المرحلة الثانوية ويستفيد من تقنية الإنترنت وغيرها فبدلاً من قيام الشاب بدخول المواقع الخاصة بالدردشة أو دخول مواقع ضارة أو على أقل تقدير غير مفيدة (لأن عنده وقت فراغ لا يعرف كيف يقضيه) فيقوم بدخول مواقع تعنى بمجال العمل الذي عرفه عن طريق جناح وزارة العمل فيزداد معرفه به، ويكون أهلاً لشغل تلك الوظائف التي عرفها بعد تخرجه لأن أغلب الشباب الآن يتخرج من الجامعة وهو لا يعرف أين وجهته، أو أفضل مكان عمل يناسب تخصصه فيصبح عاطل وعاله على أهله ومجتمعه. وفي حال تبني هذا الاقتراح سواء من أمانات المناطق، أو من الجمعيات الخيرية سواء الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين أو غيرها فأننا مستعدون للمشاركة المادية والمساعدة في احتضان شبابنا وأبنائنا وهو أقل عمل نقوم به؛ حباً لوطننا وأبنائنا، وأنا متأكد أنه في حال قيام مثل هذه المتنزهات والمتنفسات، ومراهنتي على نجاحها بإذن الله فإن العديد من الشركات ستقوم بعمل مشاريع تجارية مماثلة، وبذلك نكون قد خطونا خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح بالحفاظ على أهم ثروة حقيقة وهم رجال المستقبل. والله اسأل أن يحفظنا ويحفظ وطننا من كل شر ومكروه. * مدير عام شركة محمد الحمراني وشركاه للتجارة الدولية