أطلقت الهيئة العامة للسياحة مشروع تنمية القرى التراثية خلال الشهر الماضي، لتنمية 64 قرية تراثية، حيث يستهدف المشروع في مرحلته الأولى خمس قرى على مستوى البلاد، هي البلدة القديمة في محافظة جبة (100 كلم شمال غرب منطقة حائل)، والبلدة القديمة في محافظة الغاط، والبلدة القديمة في محافظة العلا، وقرية ذي عين في منطقة الباحة، وقرية رجال ألمع في منطقة عسير. وعلى الرغم مما تملكه المملكة من قرى ومبانٍ تراثية متميزة وقابلة للتنمية، إلا أن ضعف الوعي بأهميتها وعدم التركيز على تنميتها، أدى إلى عدم الاستفادة منها، وفقدها في كثير من الأحيان. وجاء اهتمام الهيئة بالقرى التراثية باعتبارها تمثل أحد الموارد الرئيسة للسياحة الثقافية، ومورداً اقتصادياً مهماً تعتمد عليه المجتمعات المحلية، كما أن تنمية تلك القرى يساهم في استدامة التنمية وتشجيع إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يعود بالنفع على السكان والمستثمرين. وتؤكد الهيئة على أهمية القرى التراثية كوعاء لإقامة الفعاليات الثقافية والتراثية، وذلك من خلال استطلاعها لعدد من التجارب العالمية في بلدة سان حمنيانو في إيطاليا التي يزورها سنويا قرابة 3 ملايين سائح من جميع أنحاء العالم، ومدينة فاس التي تعد أحد أهم مواقع السياحة الثقافية في المغرب، وقرية طيبة زمان الواقعة جنوب الأردن بالقرب من البتراء. وتسعى الهيئة من خلال تنمية القرى التراثية إلى ضمان توافر الخدمات الأساسية اللازمة في القرى والبلدات التراثية مثل الطرق ومركز الزوار، وتهيئة ممرات لحركة السياح داخل القرية، وأماكن للجلوس، ومطاعم ومقاهي وتموينات، ودورات مياه، ومحلات بيع المنتجات المحلية، بالإضافة إلى الإنارة الخارجية للمباني التراثية، مما يشجع السياح على زيارتها، ويساهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى، مما يعود بالفائدة الكبرى على السكان المحليين، ويشجع الأسر على العمل في إنتاج ما يطلبه السائح من مأكولات ومشروبات محلية وبيع للمنتجات الزراعية والحيوانية، والمنتجات الموسمية، ويشجع الحرفيين على العودة إلى ممارسة أعمالهم الحرفية. ويهدف البرنامج إلى زيادة تشغيل الخدمات المساندة مثل الفنادق والشقق المفروشة والمطاعم والنقل، والمساهمة في الحد من هجرة السكان المحليين إلى المدن الرئيسة، وتحقيق التوازن التنموي، وإحياء الحرف والصناعات التقليدية والتراث غير المادي الذي كان سائداً في القرى، وكذلك إشراك الأهالي في إعادة تأهيل القرى وتنميتها بما يعود عليهم بالمنفعة، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في القرى. ويوفر البرنامج وسائل تمويل منها قيام الدولة بالاستثمار المباشر في تلك القرى لفترة زمنية محدودة، وذلك من خلال تنمية نماذج ناجحة من القرى واستثمارها اقتصاديا، مما سيؤدي بالتالي إلى إيجاد تجارب ناجحة يقتدي بها الآخرون من السكان المحليين والمستثمرين، وتأسيس شراكات استثمارية تتولى تطوير مشاريع القرى التراثية، وإيجاد صندوق لتنمية القرى التراثية يهدف إلى توفير مورد مالي يساهم في تنمية هذه القرى وإنشاء الخدمات التي تشجع على الاستثمار فيها. وشددت الهيئة على أن مشروع تنمية القرى التراثية يمثل تجربة فريدة، إذ سيتاح للسائح تجربة حياة الفلاحين خلال عطلة نهاية الأسبوع أو إجازته الصيفية، وذلك في إحدى الاستراحات الريفية المنتشرة في الحقول الزراعية بجازان والقصيم والأحساء، وذلك بعيداً عن تلوث المدن الناجم عن أدخنة المصانع وعوادم السيارات وأبواق المركبات العالقة في الاختناقات المرورية. وناقشت الهيئة مع عدد من المستثمرين والمزارعين خلال ورشتي عمل عقدتا بالرياض مؤخراً إجراءات الترخيص وآلية الاستثمار في "الاستراحات الريفية" و"النزل البيئية"، وتم خلال الورشتين عرض دراسات جدوى لهذه المشاريع، والمواصفات الفنية اللازمة لإقامتها، فضلاً عن عرض لثلاثة مشاريع مقترحة لنزل بيئية جبلية في عسير، وساحلية في تبوك، وصحراوية في الغاط. وتبين من خلال الدراسات التي أجرتها الهيئة أن هذه النوعية من المشاريع مجدية اقتصادياً، وتتحمل المخاطر التي قد تتعرض لها أثناء التشغيل، وأن عائداتها عالية نسبياً، إذ من الممكن أن تنافس الفنادق ووحدات الإقامة التقليدية، وستكون جاذبة للسائح المحلي (السعودي والمقيم).