تصاعد السجال بين القوى الكبرى في العالم وعلى رأسها الولاياتالمتحدة من جهة والبرازيل وتركيا الدولتان الناشئتان، من جهة اخرى حول البرنامج النووي الايراني ليتجلى في تبادل كلامي حاد. واتهمت تركيا منتقدي الاتفاق الذي ابرم مع ايران حول تبادل اليورانيوم المخصب الاسبوع الماضي "بالغيرة" لان الاتفاق يمثل "نجاحا دبلوماسيا"، ملمحة بذلك الى الولاياتالمتحدة. من جهتها، تحدثت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عن "خلاف جدي جدا" مع البرازيل بسبب اصرارها على اخذ الاتفاق الذي ساهمت في التوصل اليه، في الاعتبار قبل ان تدفع واشنطن باتجاه فرض عقوبات على ايران. ويهدد الخلاف باحداث انقسام في مجلس الامن الدولي الذي تشغل فيه الولاياتالمتحدة مقعدا دائما، الى جانب البرازيل وتركيا العضوين غير الدائمين في المجلس. كما يؤكد الرغبة المتزايدة للبرازيل اكبر اقتصاد في اميركا اللاتينية، وتركيا العضو في حلف شمال الاطلسي، في اتباع دبلوماسية مستقلة عن سياسة الولاياتالمتحدة. وتتهم الولاياتالمتحدةايران بالسعي لامتلاك سلاح نووي تحت غطاء برنامج للطاقة النووية وهذا ما تنفيه طهران. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس ايناسيو لولا دا سيلفا في برازيليا، حمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعنف على معارضي اتفاق 17 مايو الذي وقع مع طهران. وقال ان "الدول التي تنتقد هذا الاتفاق تشعر بالغيرة لان البرازيل وتركيا تمكنتا من التوسط وتحقيق نجاح دبلوماسي كانت دول اخرى تتفاوض بشأنه منذ سنين بدون ان تتوصل الى اي نتيجة". واضاف ان البرازيل وتركيا "تحملتا المسؤولية" التي تتناسب مع شغلهما مقعدين في مجلس الامن. من جهته دعا الرئيس لولا دا سيلفا الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تسلمت تفاصيل الاتفاق مع طهران هذا الاسبوع الى "تفهم اللحظة السياسية" التي يمثلها الاتفاق وتحليل الوضع في ضوء ذلك. واكد ان "البرازيل وتركيا تعملان من اجل السلام. حتى الآن نفذت ايران التزاماتها الواردة في الاتفاق مع البرازيل وتركيا". واشار لولا الى ان "الدول التي تمتلك السلاح النووي هي التي تعارض هذا الاتفاق". ويسعى اردوغان ولولا دا سيلفا بذلك الى تأكيد رفضهما السماح للولايات المتحدة تفويت فرصة الاتفاق الذي ابرم مع ايران في اطار سعيها لفرض سلسلة رابعة من العقوبات على ايران في مجلس الامن الدولي. ويؤكد المسؤولون الاميركيون انهم حصلوا على تأييد الدول الاربع الاخرى الدائمة العضوية في مجلس الامن -الحليفتان فرنسا وبريطانيا الى جانب الصين وروسيا- وانهم قادرون على كسب موافقة الاصوات التسعة المطلوبة لاقرار نص في المجلس. وتعارض تركيا والبرازيل ولبنان، الدول الثلاث التي تشغل مقاعد غير دائمة في مجلس الامن فرض عقوبات جديدة على ايران. وتبذل البرازيل جهودا شاقة لانقاذ الاتفاق حول تبادل اليورانيوم المخصب مع ايران في التصريحات الرسمية وفي التسريبات التي تحدثت عن رسالة من الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الرئيس البرازيلي قبل المفاوضات حول الاتفاق. فقد ذكرت صحيفة فولا جي ساو باولو الخميس ان اوباما وجه رسالة الى لولا قبل ثلاثة اسابيع اورد فيها نقاطا للتفاوض مع ايران. واكد اوباما في رسالته انه "سيبقي الباب مفتوحا اما تسوية مع ايران"، حسبما اوضحت الصحيفة. وتابعت ان اوباما قال انه سيعمل في الوقت نفسه على الدفع باتجاه اقرار عقوبات دولية ضد ايران. ولم تؤكد الحكومة البرازيلية رسميا هذه الرسالة لكن الرئيس لولا دا سيلفا قال ان الاتفاق مع ايران حقق الى حد كبير المطالب التي قدمتها الولاياتالمتحدة قبل اشهر. وينص الاتفاق الموقع مع ايران على تبادل 1200 كلغ من اليورانيوم القليل التخصيب (بنسبة 3,5 بالمئة) في تركيا مقابل 120 كلغ من الوقود المخصب بنسبة 20 بالمئة مخصصة لمفاعل الابحاث في طهران. وقالت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الاوروبيون ان الاتفاق ليس كافيا لان كمية اليورانيوم التي سيتم تسليمها قليلة جدا، لكن والسبب الاهم هو ان ايران ستواصل تخصيب جزء من ما تبقى من مخزونها بنسبة عشرين بالمئة. وقد رأت كلينتون انها تعتقد ان "السماح لايران بكسب الوقت سيتيح لها تجنب وحدة المجتمع الدولي القائمة حيال برنامجها النووي وجعل العالم اكثر تعرضا للخطر وليس اقل". من جهته، رأى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في افتتاح منتدى تحالف الحضارات الخميس في ريو دي جانيرو ان ازمة البرنامج النووي الايراني تعود في قسم كبير منها الى "فقدان الثقة" في ايران. وقال ان "الازمة كما يبدو لي ناجمة عن غياب التفاؤل والثقة حيال ايران"، موضحا ان خطط ايران لتخصيب اليورانيوم "سببت قلقا كبيرا". واضاف "سيكون من المفيد ان توافق ايران على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة". لكن بان كي مون رأى في الوقت نفسه ان المبادرة التركية البرازيلية "يمكن ان تكون خطوة ايحابية" للتوصل الى حل تفاوضي. واكد ان الاممالمتحدة "تقدر وتعترف بالجهود الدبلوماسية للرئيس لولا ورئيس الوزراء اردوغان لحل هذه المشكلة بطريقة سلمية"، مشيرا الى "وجود آراء مختلفة حول الامكانيات والوسائل المرتبطة بهذه القضية".