فزعت الأوساط السياسية والثقافية، وكل سكان أوروبا من تصريحات بوش الابن، عندما قسم القارة إلى: أقاليم قديمة شائخة، وأخرى حديثة شابة، وقد يكون ذلك صحيحاً لو أن تلك المجتمعات راكدة وغير متطورة، لكن الحقيقة هي العكس، فلا تزال أوروبا مستمرة ومتواصلة مع حضارتها، وإن ظلت بلدان مثل اليونان والبرتغال وإيطاليا وأسبانيا الأقل من الدول ذات الثراء والابتكار المستمرين، لكن! وفي هذه النقطة بالذات، نجد بلدين من مؤسسي الحضارة الإغريقية (اليونان) والرومانية (ايطاليا)، أقل الدول التي استغلت تلك المنجزات وحولتها إلى حضارة جديدة، فهل يعني أن المؤسسين باتوا عاجزين عن التطور معاكسين من يعيشون في محيطهم في استمرار التقدم في مختلف فروع المعرفة والعلوم؟ في مشرقنا تأسست الحضارات الأولى في مصر الفرعونية، وما بين النهرين والشام، وهي في الغالب أبقت على ذلك العطاء العظيم تحت ركام ما بعدها، ليعاد الاكتشاف والتدوين لماضٍ لم ينجب حاضراً يستمر مع تلك الأولويات التي أعطت البشرية عطاءً منفرداً، وحتى عندما دخل الإسلام تلك البلدان وقدمت ما يمكن أن يعد مؤسساً للحضارات القائمة، فإنها كأسلافها ماتت في مرحلة تاريخية، وعجزت أن تلعب الدور نفسه الذي جعل ماضيها أفضل من حاضرها، وحتى تراثها بقي من اختصاص المكتشفين والمحللين الأجانب.. الهند والصين والعديد من دول آسيا وأفريقيا، كانت حضاراتها مؤثرة في مسار البشرية لكن الدولتين الكبيرتين -الهند والصين- ظلتا في حبوس الماضي حتى إن دولة لا توازي إقليماً منهما- مثل بريطانيا- استولت عليهما بمبدأي عنصر التقدم وامتلاك الوعي والسلاح وهما أدوات الهيمنة ونهب الثروات، غير أن العقود القريبة الماضية، أعادت الروح الجديدة للأجيال، وصار مبدأ امتلاك التقنية وتوسيع دائرة المعارف، والبدء من حيث ما انتهت إليه آخر صيحات العلوم، محفزات أيقظت العملاقين، وبدأت العقدة تنحل، ويضحك المواطن من انبهار السائح الأجنبي من شواهد العمارة والتراث القائم، لأن نظرته أصبحت تتجه للمستقبل فقط، وهذا المنجز القديم بقي جزءاً من الماضي وثروة سياحية، لأن الفاصل بين العصور كلها طرح مبدأ التحدي على الحاضر والمستقبل، وهما مكونا السؤال والجواب اللذين نفذا من الأسر ليكونا مركز قوة الإنسان ووسيلته في جني الثروات والمكاسب.. كثيراً ما تحدث علماء (الانثروبولوجيا) والاجتماع والجغرافيا عن خصائص الشعوب، وفرضوا تقسيمات بعضها عنصري مثل (الحتمية البيولوجية) التي أرجعت التقدم لتفوق عنصر بشري على آخر، وهو ما كذبته دراسات لاحقة، ويقيني أنه إذا توافر مناخ الحرية والتعليم، واستغلال الموارد، وخلق بيئة متكاملة العناصر بشرياً ومادياً، فإن ولادة التطور ستكون حتمية لأي جنس أو لون يتبع أي ديانة ويعيش في أي حيزّ جغرافي..