مدخل: قال عبيد بن الأبرص في وصف السحاب: دانٍ مسفٍّ فُوَيْقَ الأرضِ هيدَبُه يكادُ يدفعُه من قامَ بِالراحِ فمن بنجوته كمن بعُقوته والمستكن كمن يمشي بقَرواحِ وصف السحاب والمطر وآثارهما فنٌ برع فيه أبناء الصحراء منذ كانوا، وهذه البراعة جاءت نتيجة لمعيشتهم التي تعتمد على الترحال طلباً للماء والكلأ ولأن نمط هذه المعيشة مرتبط بالسماء ارتباطاً مباشراً فهم يرقبونها ليلاً ونهاراً فما تنشأ سحابة إلا تحت أبصارهم يخيلون برقها وينصتون لرعدها ويشاهدون تأثير الرياح في إلقاحها وسوقها ويتابعون حركتها واتجاهها فخبروا بتجاربهم تشكيلات السحاب المختلفة وتأثيراتها وقوة أمطارها وميزوا كل منها بأسماء خاصة، وقد رأيت تسليط الضوء على مصطلحات العرب قديماً في وصف السحاب والمطر محاولة لتطبيقها على الواقع وللتعريف بالفرق بينها في مفهوم العرب قديماً وحديثاً وكما تأملنا قول عبيد في مستهل الكلام فلنتأمل قول الهزاني في استغاثته المشهورة: وأسألك غادياً مادياً كلما لجّ فيه الرعد حل فينا الوجل وادقٍ صادقٍ غادقٍ ضاحكٍ باكيٍ كلما ضحك مزنه هطل وصف أبناء الصحراء للمطر: قال الأصمعي: مررت بغلمة من الأعراب فقلت: أيكم يصف لي الغيث وأعطيه درهماً. فقالوا: كلنا يصف وهم ثلاثة فقلت: صفوا فأيكم ارتضيت صفته أعطيته الدرهم. فقال أحدهم: عنَّ لنا عارض قصرا تسوقه الصبا وتحدوه الجنوب، يحبو حبو المعتنك حتى إذا ازلأمت صدوره، انثلجت خصوره، ورجع هديره، أصعق زئيره، واستقل نشاصه، وتلاءم خصاصه، وارتعج ارتعاصه، وأوفدت سقابه، وامتدت أطنابه، تدارك ودقه، وتألق برقه، وحفزت تواليه، وانسفحت عزاليه، فغادر الثرى عمدا، والعزاز ثئدا، والحث عقدا، والضحاضح متواصية، والشعاب متداعية. قال الآخر: تراءت المخايل من الأقطار، تحن حنين العشار، وتترامى بشهب النار، قواعدها متلاحكة، وبواسقها متضاحكة، وأرجاؤها متقاذفة، وأرجاؤها متراصفة، فوصلت الغرب بالشرق، والوبل بالودق، سحا دراكا، متتابعا لكاكا، فضحضحت الجفاجف، وأنهرت الصفاصف، وحوضت الأصالف، ثم أقلعت محسبة محمودة الآثار، موقوفة الحبار. وقال الثالث: والله ما خلته بلغ خمسا: هلم الدرهم أصف لك. فقلت: لا أو تقول كما قالا. فقال: والله لأبذنهما وصفا، ولأفوقنهما رصفا. قلت: هات لله أبوك. فقال: بينا الحاضر بين الياس والإبلاس، قد غمرهم الإشفاق، رهبة الإملاق، قد حقبت الأنواء، ورفرف البلاء، واستولى القنوط على القلوب، وكثر الاستغفار من الذنوب، ارتاح ربك لعباده، فأنشأ سحابا مسجهرا كنهورا. معنونكا محلولكا، ثم استقل واحزأل، فصار كالسماء دون السماء، وكالأرض المدحورة في لوح الهواء، فأحسب السهول، وأتاق الهجول، وأحيا الرجاء، وأمات الضراء، وذلك من قضاء رب العالمين. قال الأصمعي : فملأ والله اليفع صدري فأعطيت كل واحد منهم درهما وكتبت كلامهم. ومن أبلغ ما قيل في ذلك قول الأعرابية التي سألها ذو الرمة عن الغيث فقالت: غثنا ما شئنا. فكان ذو الرمة يقول قاتلها الله ما أفصحها. وقال الأصمعي: سألت أعرابياً من عامر بن صعصعة، عن مطرٍ أصاب بلادهم، فقال: نشأ عارضاً فطلع ناهضاً، ثم ابتسم وامضاً، فاعترض الأمطار فأعشاها، وامتد في الآفاق فغطاها، ثم ارتجز فهمهم، ثم دوي فأظلم، فأرك ودث وبغش، ثم قطقط فأفرط، ثم ديم فأغمط، ثم ركد فأجثم، ثم وبل فسح وجاد، فأنعم فقمس الربى، وأفرط الزبى سبعاً تباعاً، لا يريد انقشاعا، حتى ارتوت الحزون، وتضحضحت المتون، ساقه ربك إلى حيث شاء، كما جلبه من حيث شاء. ترتيب السحاب وأسمائه وأصنافه عند العرب: قال النويري في نهاية الأرب نقلاً عن الثعالبي في فقه اللغة: أول ما ينشأ السحاب، فهو نشء، فإذا انسحب في الهواء، فهو السحابُ، فإذا تغيرت وتغممت له السماء، فهو الغَمَام، فإذا كان غيما ينشأ في عُرض السماء فلا تبصره، وإنما تسمع رعده، فهو العَقْر، فإذا أطل وأظل السماء، فهو العارضُ، فإذا كان ذا رعد وبرق، فهو الَعرَّاصُ، فإذا كانت السحابة قطعا صغارا متدانياً بعضها مع بعض، فهي النَّمرةُ، فإذا كانت متفرقة، فهي القَزَعُ، فإذا كانت قطعا متراكمة، فهي الكِرفِئ، فإذا كانت قطعا كأنها قطع الجبال، فهي قلعٌ، وكنهورٌ، فإذا كانت قطعا رقاقا، فهي الطخاريرُ ،فإذا كانت حولها قطع من السحاب، فهي مكللةٌ، فإذا كانت سوداء، فهي طخياءُ، ومتُطخِطخَة، فإذا رأيتها وحسبتها ماطرة، فهي مُخيلة، فإذا غلظ السحاب وركب بعضه بعضا، فهو المُكَفهِر، فإذا ارتفع ولم ينبسط، فهو النَّشاص، فإذا تقطع في أقطار السماء وتلبد بعضه فوق بعض، فهو القِردُ، فإذا ارتفع وحمل الماء وكثف وأطبق، فهو العَمَاء، والعَمَاية ، والطَّخاء، والطَّخاف، والطَّهاء، فإذا اعترض اعتراض الجبل قبل أن يطبق السماء، فهو الحبيُّ، فإذا عنّ، فهو العنان، فإذا أظل الأرض فهو الدَّجن، فإذا اسود وتراكب، فهو المُحمومي، فإذا تعلق سحاب دون السحاب، فهو الرَّباَب، فإذا كان سحاب فوق سحاب، فهو الغفارةُ، فإذا تدلى ودنا من الأرض مثل هدب القطيفة، فهو الهيدبُ، فإذا كان ذا ماء كثير، فهو القنيف، فإذا كان أبيض، فهو المزن، والصَّبير، فإذا كان لرعده صوُت، فهو الهَزيم، فإذا أشد صوت رعده، فهو الأجشُّ، فإذا كان بارداً وليس فيه ماءٌ، فهو الصُّراد، فإذا كان ذا صوت شديد، فهو الصَّيّب، فإذا أهرق ماءه، فهو الجهام ( وقيل بل الجَهاَم الذي لا ماء فيه). ترتيب المطر وأسمائه عند العرب: قال الثعالبي رحمه الله في ترتيب المطر: أخف المطر وأضعفه الطل، ثم الرذاذ،ثم البغش والدث ومثله الرك، ثم الرهمة.ويقال أيضاً: أوّله رشّ وطشّ، ثم طلُّ ورذاذ، ثم نضح ونضخ، وهو قطر بين قطرين، ثم هطل وتهتان، ثم وابل وجود. ما قيل في فعل السحاب والمطر يقال إذا أتت السماء بالمطر اليسير الخفيف: حفشت، وحشكت.فإذا استمر قطرها، قيل: هطلت، وهتنت.فإذا صبت الماء، قيل:همعت، وهضبت.فإذا ارتفع صوت وقعها، قيل: انهلت واستهلت. فإذا سال المطر بكثرة، قيل: انسكب، وانبعق.فإذا سال يركب بعضه بعضاً، قيل: اثعنجر، واثعنجج.فإذا دام أياماً لا يقلع، قيل: أثجم، وأغبط، وأدجن.فإذا أقلع، قيل أنجم،وأفصم، وأفصى. ومن أسماء المطر في اللغة أيضاً: إذا أحيا الأرض بعد موتها فهو الحيا.فإذا جاء عقيب المحل أو عند الحاجة إليه، فهو الغيث.فإذا دام مع سكون، فهو الديمة. والضرب فوق ذلك قليلا، والهطل فوقه.فإذا زاد، فهو الهتلان، والهتان، والتهتان.فإذا كان القطر صغارا كأنه شذر، فهو القطقط.فإذا كانت مطرة ضعيفة، فهي الرهمة.فإذا كانت ليست بالكثيرة، فهي الغيبة، والحفشة، والحشكة.فإذا كانت ضعيفة يسيرة،فهي الذهاب، والهميمة.فإذا كان المطر مستمرا، فهو الودق.فإذا كان ضخم القطر شديد الوقع، فهو الوابل.فإذا انبعق بالماء، فهو البعاق.فإذا كان يروي كل شيءٍ، فهو الجود.فإذا كان عاماً، فهو الجدا.فإذا دام أياما لا يقلع، فهو العين.فإذا كان مسترسلاً سائلاً، فهو المرُثعن.فإذا كان كثير القطر، فهو الغدق.فإذا كان شديد الوقع كثير الصوب، فهو السحيفة.فإذا كان شديداً كثيراً،فهو العز، والعباب.فإذا جرف ما مر به، فهو السحيقة.فإذا قشرت وجه الأرض، فهي الساحية.فإذا أثرت في الأرض من شدة وقعها، فهي الحريصة.فإذا أصابت القطعة من الأرض وأخطأت الأخرى، فهي النفضة.فإذا جاءت المطرة لما يأتي بعدها، فهي الرصدة، والعهاد نحوٌ منها.فإذا أتى المطر بعد المطر، فهو الولي.فإذا رجع وتكرر، فهو الرجُع.فإذا تتابع، فهو اليعلولُ.فإذا جاءت المطرة دفعات، فهي الشآبيب. سيلاحظ القارئ الكريم أن كثيراً من التعابير التي يستخدمها العرب الأوائل في وصف السحاب والمطر ما زالت تستعمل بنفس معانيها ودلالاتها عند سكان الجزيرة العربية إلى اليوم ولكننا أوردناها هنا للتفريق بينها اعتماداً على أصولها الفصيحة والحقيقة أن المتأمل في قصائد الشعر النبطي الخاصة بالاستغاثة كقصيدة محسن الهزاني الشهيرة وغيرها سيجد توافقاً بين ما يرد في هذه القصائد وأقوال العرب قديماً ، وأخيراً قال فهد بن بداح الزقعاني: يالله بنواً لانشا ينثر مزون يسقي دياراً عقب الأمحال ميته تسعين ليلٍ لأسود الماء ينايون كلٍ يقول السيل والله لقيته كل ٍتسده ديرته ما يحولون محدٍ يجيك لديرتك لو دعيته