ها أنت تخرج من عنق الزجاجة يا صاحبي .. ولو بعد حين !! خروجًا عاصفًا بطبل وزمْر .. إنها احتفالية تليق بكل من يحب الحياة .! كسرت (عنق الزجاجة) ؟؟ ولا يهمّك .. (انكسر الشر) .! لا بأس ببعض الخدوش .. إنها تذكار ، ووسم انتصار..( وجع ساعة ولا كل ساعة) يا صاحبي .! مادام عندك أمل (يضوي) في السما .. ويروي بساتين الظما ، ومادام القمر (فوق النخل فوق) .. وبين عينيك تخطر النجمات سابحات في فلك الأمنيات .. ترفل في حرير القز .. وتهتز كأعناق الأوز ، ومعه ، فلتذهب إلى غير رجعة كل المضايق التي اخترعناها .. وكل الأنفاق التي حفرناها .. والنوافذ التي قفلناها في وجه الهواء .. والمتاريس التي أقمناها على صدر (هاي وي) الهوى .! وكل (دوّارات المرور) ، التي جعلتنا نلف وندور .. كما ثور في ساقية ، وجمل في معصرة .! إن شيئاً فينا يأخذنا إلى أشيائنا الصغيرة .. يجذبنا إليها .. فهي إن نأت وتوارت زمناً ما ، يظل تعلقنا بها هو برهان وجودها الأكيد .! والشكر لك يا صاحبي .. أنت ووردة الرياض والشفاف والمزون والأنشودة ، وعاشق الورد ، والبدر والبدور ، وبحر العرب وصفية .. وكل أصدقائي في بيتنا " الرياض" .. فقد أدخلتموني بعد الإجازة القصيرة في ( نقاهة ) بنكهة الفصول الأربعة .! تسكنني الفصول كلها يا صاحبي ، من الشروق للغروب .! أستمتع بالتجوال في عربات قطار العمر .. أملأ عينيّ بكل بيوت الشِعر .. وخدور الشَعر .. وموج البحر .. أتلوها من أول سطر حتى آخر سطر .. هذا القطار هزه الطرب ، تميس أعطافه فوق التلال .. تطرحني برغمي على المقاعد الوثيرة المجاورة ، فتضع الأشياء يدها على شفاهها وتضحك .! ويداي ضارعتان تبحثان عن ( قشّة ) ، ترفعني إليها ألملم النقاط .. وأصل الفواصل ، لأكتب في دفتر العمر جُملاً مفيدة .!! * * * تلك بعض أشيائنا الصغيرة .. وعن مثلها تقول " نجاة ": ربّاهُ رباهُ .. أشياؤه الصُغرى ُتعذبني ، فكيف أنجو من الأشياء .. ربّاهُ ؟! هنا جريدته .. في الركن مهملة ٌ .. هنا كتابٌ معاً كنّا قرأناهُ .! لسنا وحدنا من يحتفظ بأنفاس الأشياء وعطرها .. بل المقاعد .. والأركان .. والزوايا .. إنها تحتفظ أيضا بالبقايا .. تظل وفية لها .. حفية بها ، مهما نأى البُعد وبعُد العهد .! قلت لكم مرة : إذا كانت عيون القلب سهرانة (ما بتنمشي) ، على رأي (الأبنودي) ، وإذا كانت عيون الشعراء تبوح بالأشياء ، فإن عيون الليل لا يغمض لها جفن لكنها تظل شايفة وساكتة .. كأنها تقول لك " حين نلمح النور من بعيد وقد تلاشى الحيّز الضيّق لعنق الزجاجة..يزداد الأفق علواً وإشراقاً"! ها أنت يا صاحبي تحب الحياة بلا سبب .. من قال إن الحب يحتاج إلى سبب؟! مادام نهر شراييننا يتدفق .. ولا يملك أحد كائنا من كان تغييرًا لمجراه ، فانطلِق إلى ( الهاي وي ) من غير ليه .. فقد ذهب (عنق الزجاجة) غير مأسوف عليه .!