يهدي الشاعر السعودي " محمد عابس " ديوانه الموسوم ( ثلاثية اللذة والموت ) إلى عالم الشعر " الذي أباح له عوالمه دون شروط.. وهو يشرع أبوابه لجنونه ومشاكسات مفرداته.. إليه وهو يحدق به في سموات تتأبى على غيره، وتعدّ ظفائرها له .." ونستنتج من الإهداء أننا أمام شاعر ذاتي، ومن عنوان الديوان نكتشف أن أحد عناصر هذه الثلاثية أسقط عند الشاعر الذي يتوسط بين ثلاثية اللذة والموت، وينبض شعره بينهما. فالشعر في هذه الثلاثية هو نبع اللذة والمسوّغ للحياة، لكن الشاعر في سعيه وراءه واتخاذه معادلاً موضوعياً للواقع، إنما يسعى للفراغ وللموت والعدم. لقد أصدر الشاعر " محمد عابس " ديوانه بعد ستة عشر عاماً من الانقطاع عن النشر عقب صدور ديوانه الأول ( الجمر ومفارش الروح ) عام 1993م، ويعلل انقطاعه ( إحساسه بالتشبع وشعوره بعدم جدوى النشر في عالمنا العربي ) ونضيف إلى هذين السببين رغبته في ريادة آفاق شعرية جديدة لم يردها في ديوانه الأول . فهو ينوع أشكال شعره في ديوانه الأخير، فيكتب الشعر المقفّى وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، ويحاول أن يحرر إيقاع الشعر العربي التقليدي فيقيمه في النص الواحد على أكثر من تفعيله ليعبر بحرية عن تمرده واغترابه، ويسعى إلى الاختبار التصويري والتصوّري من خلال لوحات ومشاهد تندمج فيها التخوم الساكنة بالحركة الزمانية في عملية تشكيل دينامية تجعل من القصيدة مجموعة لوحات ومشاهد متعاقبة تشكل بنيتها الكلية التي تتنامى مع عملية السرد مما يلفت النظر أن الشاعر لا يتناول في لوحاته الواقع الظاهري، بل يلتمس واقعيته بما وراء الواقع العياني من أبعاد وظلال نفسية منتزعة من أعماق الذات، وبخاصة ما كتبه بأسلوب قصيدة النثر. أما شعره المقفّى فيبدو أقرب إلى الوضوح، وألصق بالواقع المرئي والمحسوس، مثلما تبدو لغة النص أقل غموضاً وتكثيفاً، وبسبب اتكاء الشاعر المفرط على التجريد والمجاز والتعمية في قصيدة النثر، يعسر على القارئ أمام كثير من نصوصه أن يصل إلى تأويل مقاصده الشعرية في مستوى الفكرة أو الشعور، وينتابه قلق من الإقدام على عملية التأويل، فماذا يفعل دارس الديوان وهو في مواجهة نص مبهم منغلق على ذاته وشاعر متغرب أميل للتجهم في مواجهة الحياة .. ؟ ليس للناقد إلا أن يلتزم بميثاق اقترحه اللغوي المعروف "عبدالسلام المسدي"( مجلة " دبي الثقافية " العدد (59) عام 2010م .) يطالب فيه بميثاق للنقد والقراءة الشعرية، [ يكون أول بند من بنوده قائماً على براءة التأويل، تلك التي إذا غابت عبث في غيابها العابثون .. إن حرية الفكر تعني – كما يقول المسدي – أن بيني وبينك كلاماً هو نص ناصّ، ما بدا على سطحه فهو لك ولي، وما ضمنته إضماراً فهو لك يلزمك ولا يلزمني، وإذا قرأتُ نصك، وتأولتُ كلامك فما أقرأه منه يلزمك ويلزمني، وما أتأوله منه يلزمني ولا يلزمك .. فمن معجزات اللغة أن بين سطورها معاني مبثوثة ليس في مقدورك أن تجزم أن قائل الكلام قصدها، ولا تجزم أنه ما قصدها ولا نستطيع أن تجزم إن كان قصدها بأنك أنت الذي إليك بها يتجه ولن يدرك اليقين بأنه رام أن يغيظك أو يسعدك ]. *** في قصيدة عنوانها ( المسافات ) تبرز الواقعية النفسية لدى الشاعر "عابس" في تصوير عالم طفلته من المهد إلى البلوغ وقد جسدها في أربعة مشاهد، يعبر كل مشهد عن مرحلة من مراحل عمرها. ولكل مشهد عنوانه الذي يسمُ المرحلة التي مرت بها الطفلة، مرحلة المهد وعنوانها " شروع " يرسمها الشاعر بإيجاز فيقول : لا تمطري الهموم في مدينتي فما لها خدن سوى أرجوحة تلهو بها والناي حولها يعيرها كآبة السواد ومع قتامة اللوحة التي تمتص فرح الطفلة وهي تلهو بأرجوحتها بسبب ما يحيط بها من آلام عبر عنها بصوت الناي، يأتي المقطع الثاني ليرسم عالم تفتح الطفلة وانطلاقتها الاجتماعية وخروجها من عزلة المهد إلى اللعب مع الأطفال.. صغيرتي تحبو إلى نور عصا مشكاته يشع في الأنحاء يسأل الغصون عن أوراقهاالجدار عن مرارة الجوارصغيرتي تلهو ونور شمعه يداعب العيون يرتمي بها يشاكس الزمان، يبني للصباحات الحوارصغيرتي تبدل الثياب والأصحاب غرفة كانت لها والنور من شباكها يفتش الأوراق والأركان يجلو عالماً غنى لكفيه السوار .وهكذا ينبض عالم الطفلة في مرحلة اللعب والتواصل مع الأطفال بالفرح واكتشاف الحياة والتخييل الطفولي الذي يريد أن يخضع العالم له، ويرفض الخضوع له . ثم تأتي اللوحة المشهدية الثالثة بعنوان ( مواجهة ) حيث تواجه الطفلة تبعات الحياة في المدرسة، وما تعانيه من مسؤولية التعلم وحفظ الدروس، وما تفوه به من أسئلة مشاكسة، إنها مرحلة التطبيع إذ تخضع أحلامها لرغبات المجتمع في التحصيل المدرسي وهي تريد أن تظل حرة كالعصافير، ولا تحب أن تحترق أحلامها وتبني عالمها من رماد هذه الأحلام . ثم تأتي مرحلة المراهقة، وجعل لها الشاعر عنوان (تأزم) وهي مرحلة حرجة في حياة الطفل حيث تكثر تساؤلاته، وتثور شخصيته على التكيف، ويرسم لنفسه أحلامه الذاتية ويطالب بحريته الشخصية في مرحلة المراهقة . هل ..؟ كيف ؟ أين ؟ متى سأرفض أنفض الغيمات تهطلُ أرسم الأحلام ترفلُ ليس ترتاب السهول إذا أغنّى ما أريد وفي مرحلة البحث عن قرين أحلامها .. يرسم الشاعر " عابس " لوحة معاناة الصبية الروحية وعطشها في مجتمع يتعامى عن حاجاتها : النور يسمع دمعة البوم المريريجس نبض شوارع الإنسان في الحي الضرير.والشابة التي بلغت تتهيأ لعالم الحب ورغبات الأنثى، فتستعير أحمر شفاه أختها، وتكحل جفنيها معلنة عن عطشها الإنساني، لكن المجتمع يرى في تطلعها فراغاً عبثياً ممنوعاً. والمشهد عنوانه (تحوّل) يشي تماماً بهذه المرحلة . وتحت عنوان المشهد السابع (موقف) يتحدد مستقبل الصبية ويبهت نور الحلم أمام وجه الحياة في مرحلة البلوغ، حتى إذا اكتهلت الفتاة غابت أحلامها عن الدنيا. وأمست حياتها ترقباً للقادم المجهول حيث تستحيل الحياة كآبة وحداداً.. من الواضح أن الشاعر " محمد عابس " يلمح في رسم المشاهد ولا يفصح، وينأي عن المباشرة، وتساعد عناوينها على تمثل الفكر المغيبة بالصور، فهو لا يعبر عن أفكاره ومشاعره إلا من خلال الصورة التي تشف أحياناً عن مضمونها أو تعطي نصف مقاصدها في بريق إضاءتها. وتخضع هذه المشهدية في سكون الوصف وحركته لعامل الزمن الذي يرتقي مع توالي المشاهد ويحقق اكتمال النص. وقد يلجأ "عابس" إلى تقطيع آخر للنص لا يحكمه التسلسل الزمني، فيقسمه إلى مقاطع يتناول في كل منها جوانب الخطاب الشعري الذي يريد تبليغه كما في قصيدة (صاحبي) حيث يشكل نداء الصاحب المتكرر في أول كل مقطع فاصلاً يقطع انسياب الخطاب، ويوجه مساره باتجاه آخر، ففي المقطع الأول يسترجع ذكريات الصداقة مع الصاحب، وفي الثاني يتساءل عن كنه الصلة التي تربطه بصديقه وهو الشاعر المنغلق على ذاته، المتغرب والمتعزي بأناشيده. وفي المقطع الثالث يدعو صديقه لبعث الحياة من مرقدها ليجعل منها عرساً للأحلام: صاحبي، يا صاحبي غلّف الأحلام أرسلها لعرس الشمس .. بنت الهمس كحل الأيام .. داعبها فما للغرس غير اللمس أجمع الأوهام راقصها . فلحن النفس ، مدّ الخمس ***وفي قصيدة عنوانها( قراءة في ملفات القدس ) يعبر الشاعر عن واقعية حسية ولغة واضحة، فيوزع النص إلى سبع لوحات ومشاهد متعاقبة، أولها صورة محنة القدس تحت الاحتلال: مرج زيتونٍ يناغي حقل توت وأزاهير شبابٍ في الصباحات تموت سنبلاتٌ عاشقة لا تهاب الصاعقة من هنا يا قلب قبري من هنا تخليص أمري والمنى لحنٌ لذيذُ الوقع، لكن في خفوت حتى إذا اكتملت صورة القدس المستباحة، وتطلع أبناؤها لتحريرها، انتقل الشاعر في المقطع الثاني لتصوير جرائم الصهيوني المحتل وصمت قومه عن مأساة احتلالها: حفنةٌ من آخر الدنيا تسيطرهدّمت في البدء آمال اللقاء وجنت في المنتهى طعم البقاء ثم جئنا في خريف العمر ندعو بغباء:ويل من شرّدنا ويل من يتّمنا ثم تنفضُّ المجاميع ولا يبقى سوى قهر السكوت .ويقوده هذا الواقع إلى إدانة العرب، وضعفهم بعد قوة، فالويل لتخاذلهم أمام محكمة التاريخ وذاكرة الأطفال، فهم موتى بلا كفن، يداوون عجزهم باللهو بمخترعات الغرب. وفي المقطع الرابع يتابع ثورته على الواقع العربي المتخاذل، فليس أمام فلسطين سوى أن تتشح بالسواد بعد بيان العجز العربي الذي يحتمي بماضيه: ندّعي أن المنايا فنّنانفتري أن القضايا همنا وإذا احتاج حمانا، لم نجد معنى الوسيلة لم نجد غير العزاء المرّ في ليل القنوت .ويستمر في التنديد بالواقع العربي في المقاطع اللاحقة، ثم يختم النص بهذا النداء اليائس الحزين : إيه يا طعم الصباح اليعربي إيه يا لحن المساءات الأبي أين ضيعنا البراعة؟كيف كسّرنا اليراعة ؟لملموا الأحزان في نبض الشوارع وانصبوا الميزان في ساح الجوامع إنها القدس تموت. نص واضح ورسالة مباشرة، وشعر يتكامل إيقاعه بين موسيقاه الخارجية، وجرس الكلمات الهامسة. وقد يتساءل القارئ .. لماذا تخلى الشاعر عن الشعر الموزون، وأثر أن يكون شعره موصلاً مقاصده بوضوح في إطاره القومي ؟ ولماذا لجأ إلى الغموض والتعمية في قصائده النثرية، مع أنه بدا هنا أكثر توفيقاً وأشد تأثيراً؟ ربما كان اغترابه الروحي وذاته المستغرقة قادته إلى التكثيف والغموض بل لعل انسياقه وراء الحداثة وألقها المرحلي دفعه إلى ركوب موجة الأساليب الرمزية والسريالية، وتراكيبها المغلقة التي لا يخلص منها القارئ بدلالة واضحة أو شعور واضح وكأنها تريد أن تبعث الحياة من عدمية اللغة وانزياحها وضياعها. ربما تظل رمزية الشاعر شاقة وقادرة على الإيصال حين يكون الرمز واضحاً، كما في نصه ( مشاهد ممطرة ) فهو يرمز إلى الثورة بالمطر كالسياب، ويستمر صورها من واقعه الخليجي، وبالأسلوب المشهدي ذاته، يقسم نصه إلى لوحات، ويمهد لها بتواطئه، ويتكئ على الصورة والمجازات في عرض مقاصده: ماذا تريد من مدينة تنام عندما يستيقظ المطرأنوار هذا الشاعر المنسيّ زاد ضوءهامن رهبة؟أم أن هذا القطر لم يغسل سواهابعد أن عافت قلوب الناس تقبيل المطر.وتتوالى الصور في اتساق واضح الدلالات قوي الإبلاغ والتبليغ يرقى بالأسلوب ويقيه من التسطح والمباشرة. وقد ترك الشاعر بعض المشاهد بلا عنوان، وعنون بعضها ليردّها إلى سياق النص، والتحرر من النمطية والرتابة.. ومن شأن هذه التقنيات أن تقيم من أجزاء اللوحة مشهداً كلياً متكاملاً، ويحتفظ كل مشهد تفصيلي باستقلاله المضموني والشعوري، والشاعر في ذلك هو الراوي والسارد المغيب لسانه حيناً والسارد بلسانه حيناً آخر، وكأنه الرسام لا يتدخل باللوحة وعناصرها إلا حين يمهدها بتوقيعه في آخر المطاف.. وقد يعمد الشاعر إلى أساليب أخرى من تقطيع النص حين يجعل كل مشهد من مشاهد هذه اللوحة يدور حول فكرة محدودة كما في قصيدته (مدينتي الجديدة) التي يفضح من خلالها زيف المدينةالغربية وأثرها في مجتمعه، فقد استعرض آثار هذه المدينة في العشق والزمن والنور والظلام، وافتتح كل مقطع أو لوحة بلازمة تتكرر وتحدد الفواصل بين أجزاء النص في قصيدة ( مدينتي الجديدة ) مثل : العشق في مدينتي أنشودة الضياء . الوقت في مدينتي تزفه الدفوف . الشمس في مدينتي يملّها الشروق . الليل في مدينتي يسوقه الزحام . على أن هذه المشهدية التي تقوم على تقطيع أوصال القصيدة تظل مقبولة مادامت قادرة على الإيصال، لكن حين يعمد الشاعر "عابس" إلى التجريد والتخييل المعمّى والغموض تفقد دلالتها في التدريج والإبلاغ، وتنفلق على ذاتها كدودة القزّ التي تحفر قبرها : كما في قصيدة ( أجواء ) يقول : ظمأ وجوع للتواصل ذي حياة الأرصفة هذي الشوارع موحشات والحدائق مجهدات الطلع خادنها الهواء المستعارتلك الأزقة نائمات لم تخادنها الخُطا نسيت كما نحن ابتعدنا عن جنون الأرغفة بوم الظلام يلفّ أفئدة البيوت الغرفةُ، الشباكُ فيها مُشرعٌ والنور يخفت والوجوه مسافرة هنا ناهد تلهو بسلسالٍ على صدر نما فيه الحنين ولم تبعثره السنون. فالمشهدية هنا على ما فيها من تفاصيل حسية وصور مجازية غشّت على مقصد الشاعر، وظل الوصف معلقاً بحدود الرسم الجامد حتى لو بدا قصد الشاعر وصف امرأة شاعرة أو روحه الشاعرة، وقد عصفت بدلالاتها تراكم الصور واستقلالها وعجزها عن البوح بما وراءها. إن الشاعر " محمد عابس " يملك لوناً من اللغة الشعرية القادرة على النفاذ إلى ما وراء الواقع الحسي ورصد تجلياته الخفية التي يصعب التعبير عنها. لأن اللغة بدلالاتها المتداولة بناء حسي تستعصي عليها المجردات وارتياد آفاق النفس بعوالمها العميقة، وكم حاولت دروب الحداثة أن تروضها فاستعصت على عمالقتها لأن القبض على تجلياتها أعسر من القبض على النور بالأصابع الخمسة. ويحمد للشاعر محاولته على دروب التحديث لغة الشعر، وإن بدا في شعره أميل إلى التجهم واليأس والكآبة في زمننا الذي أهدانا الكآبة ورسم بها الإنسان بممارسات سادة هذا العالم . فهل يزيدنا الشعر تجهماً وكآبة ؟ أليس فيه نافذة للفرح أيها الشاعر الرهيف .. !! لماذا هذا التجهم منك حتى في يوم العيد، المناسبة التي تحمل البهجة والعزاء للقلوب الحزينة؟ يقول في العيد وقد رسمه في نصين ، الأول ينضح بالحزن والآخر يضجُّ بالفرح: للعيد أغنية حبلى بآهات وطلَّة للملا تزهو بميقات من يرسم السعد في الأرجاء موحشة من يمنح البُرء في نزف الجراحات من يزرع الوصل في صحراء قاحلة ويمسح الحزن من تاريخ عبرات؟ ويقابل هذا الأسى غناءه بالعيد في مدينته بقصيدة تجسد فرحه وفرح الناس واعتزازه بقيم وطنه .. يقول : العيد هلّ فغنّى القلب طلَّته واستقبل الناس بالأفراح روعته تهوى الرياض ليالي العيد فاتنةً وتسكب الضوء في الأجواء بهجته بلادنا حرة تختال في طرب تختار من ساعة الإشراق غُرّته . فالشاعر في النص الأخير على ما فيه من خطابية يخرج من شرنقة ذاته الكئيبة ليرى الواقع المحسوس في حياة الناس، ويتحرر من كآبة روحه، وأساه على واقع أمته، فالمشهدية هنا تنبع من موضوع النص، وتتناوله من الخارج، بينما تتغلغل في قصيدته بعنوان (تاريخ) إلى ما وراء الواقع الظاهري : ذاهلٌ في الصمت رجلاي امتطت بي سلم الخوف وأنا أحمل قوماً وتواريخ سؤال هل لقلب النوم مفتاح بقبر الوقت هل لصحو الشمس شباك، منام الخدّ والأسماء ملقاة على ذُعر الطريق؟هل سيبني الحرف سطراً ترتوي منه الجذور؟نحن هنا أمام مشهدية نفسية تسلمنا إلى براءة التأويل في قراءة النص، غير أن الدارس يخشى أن يلزمه تأويله للنصوص فيقع في مطب الالتزام بتأويله لقراءة النص، فلندع للقارئ أن يمارس هذا التأويل لذاته، أما الدارس فيفضل أن يعفي نفسه من حمل عبء هذا الالتزام في مواجهة قصيدة النثر الذي يمثل الشاعر "محمد عابس" في شعره وجهاً من وجوهها لم يسلمه التكثيف إلا نادراً للوقوع في محنة الغموض والإبهام، وإن كانت قصيدة النثر بحكم بنيتها على الأصداء الداخلية للنفس تظل سفينة الغموض وعدم اليقين .