سأعود للماضي غير البعيد فأسترشد من وقائعه لأقيس على ما يحدث اليوم ، والماضي الذي أتحدث عنه أعني به ذلك الوقت الذي عايشته ووعيته جيداً . وأتذكر بداية ظهور التلفزيون في بلادنا وكيف انبهر الناس وتعلّقوا بهِ. تخيلوا حياة بدون تلفزيون ؟؟ وقد ورد في صحيفة الديلي ميرور (Daily Mirror) عام 1950م التعليق التالي : " إذا سمحت لجهاز التلفزيون أن يدخل من باب بيتك فستختلف حياتك بالتأكيد عما كانت عليه من قبل" . كل أفراد الأسرة بلا استثناء كانوا (يتكومون) أمام الصندوق السحري حتى من قبل أن يبدأ بث برامجه، والجميع يشاهد كل شيء، نعم كل شيء ابتداءً من تلاوة القرآن مروراً بأفلام الكرتون ثم الفواصل الغنائية للمطربين والمطربات والبرامج الحوارية ثم الأخبار والتي غالباً ما تكون بائته لتواضع نقل الأحداث من خارج البلاد وأكثر ما كان يشدّ كبار السن آنذاك غير المطربة الشهيرة سميرة توفيق برنامج المصارعة الحُرّة الذي كان يُعلّق على جولاته المرحوم إبراهيم الراشد فيزحف البعض من (الشيبان) من لحظة قرع جرس الجولة الأولى ولا يقف زحفهم إلاّ بالقرب من شاشة التلفزيون وقد كُنت أسأل ما الذي يجذبهم إلى هذا البرنامج العنيف المليء باللّكمِ والرفس والقبضات التي تُدمي الأنوف هذا غير الصراخ والتهريج من قبل مديري أعمال المصارعين؟ كلّ قال تفسيره الخاص، لكنني وجدت مقالة منشورة في مجلّة الأمن والحياة عدد " 274" بعنوان (العنف التلفزيوني ..بين السلب والإيجاب) للأستاذ الدكتور مصطفى محمد رجب من جامعة اليرموك بالأردن يُشير فيها إلى نظرية التعلم الاجتماعي وأن ليس كل ما يعرض من مشاهد عُنف يمكن أن يكون لها نتائج سلبية على المتلقي، ويستند أصحاب الاتجاه الايجابي في تبريراتهم لنظرية التنفيس أو التطهر حيث يعتبرون أن مشاهدة العُنف قد تفيد في التخلّص من المشاعر العدوانية المكبوتة لدى المشاهدين فيصبح العنف التلفزيوني نظاما تخيّلياً بديلاً عن الواقع ويساعد على أن يتنفس الشخص عدوانيته بنفس الطريقة التي تعمل بها الأحلام وطرق التخيّل الأخرى. المُشكلة أننا كنا نعرف عكس ذلك تماماً حيث إن الصغار بالذات يُحاكون ما يشاهدونه على الشاشة وقد يؤذون أنفسهم بسبب تلك المحاكاة، على أيّ حال الاحتياط واجب وترك الصغار يشاهدون كل شيء ضررهُ أكبر من نفعه.