لم يخفِ الحلاّق عبدالكريم استياءه الشديد من موجة وموضة المسلسلات الرمضانية، تحدّث معي بلهجة تونسية غاضبة، رغم أنه ليس متشدداً دينياً والأطرف أيضاً أنه لظروف مهنته لا يشاهد التلفزيون إلا أوقات قليلة ونادرة!. حال لسان أخينا هو حال الجميع تقريباً، فعلامات الاستفهام تزداد مع قرب شهر رمضان المبارك، الإعلانات التي كنا ننتقدها عن المشروبات والمأكولات باعتبار أن رمضان ليس شهر الأكل والشرب (غطت) عليها إعلانات المسلسلات والبرامج الرمضانية. الكل يتساءل عن الكم الكبير من الإنتاج بالمسلسلات الخاصة برمضان، في فترة من الفترات وفي كثير من لقاءاتي التلفزيونية والإذاعية كنت أقول إنها موضة وستنتهي، ولكن توقعاتي كانت خاطئة، حجم الإنتاج جعل الكثير من بعض النجوم المعروفين يعلنون غضبهم لأن مسلسلاتهم لن تعرض في رمضان!. في الرياض العاصمة في الطرق والأسواق الكبرى الإعلانات عن المسلسلات الرمضانية في كل ركن وزاوية، تهيئة غير معقولة، قنوات متعددة، الأمر لا يقتصر علينا في السعودية بل في كثير من الدول العربية، وعاصرت هذه الحملات الإعلانية في دبي والكويت خصوصاً حيث تشاهد الباصات التي تنقل العمالة الآسيوية متخمة بإعلانات المسلسلات. هذا العام لفت انتباهي وبشكل كبير أثناء الإعلانات الدعائية في بعض القنوات التلفزيونية للكثير من المسلسلات أن عدداً كبيراً منها يحوي لقطات خادشة للحياء، حتى إنه لا يمكن قبول عرضها في الأوقات العادية، فما بالنا بالشهر الكريم، أمر مزعج بالفعل أن تتحرر الرقابة الخاصة بالدراما التلفزيونية إلى هذا الحد من الانحدار الأخلاقي، حتى الأفكار لبعض المسلسلات أفكار غير مناسبة وغير مقبولة، أما التهريج والمصاخة وخفة الدم الزائدة فحدث ولا حرج!. الغريب أن تفاعل مشايخ الفتاوى مع واقع المسلسلات الرمضانية لم نشاهد أي تحرك جدي له بخلاف التركيز على مسلسل طاش في كل عام وبدون رؤية واقعية، رغم أن المادة الدسمة بهذا الخصوص مغرية ومثيرة وصوتها الإعلامي سريع، ورغم أن واقع الهجوم الدرامي في شهر رمضان المبارك يحتاج لدراسة وإعادة صياغة، يحتاج إلى دراسات متخصصة وأبحاث تخص عدد المشاهدين بصورة حقيقية، وليس بيانات شركات أبحاث وهمية وذات مصداقية زائفة نجد إعلانات نتائجها مع أول أسبوع من رمضان عن فوز القناة "س" والمسلسل "ص" وهكذا بالمراكز الأولى كأعلى مشاهدة، رغم أن بياناتهم للأسف مكتوبة هذه الأيام ونشرها بعد أقل من عشرة أيام!. الأمر بالفعل يحتاج تدخلاً من المتخصصين بالإعلام ورجال الدين الثقات والمطلعين بصورة مباشرة على الواقع الذي نعيشه والتعامل معه بواقعية وليس باجتهادات وفتاوى اعتمدت في أطروحاتها على "ذُكر لي أو قيل لي أو سمعت وهكذا" لأن ما يحدث بالفعل وبكل مصداقية أمر غير صحي وفيه فساد ذوقي وأخلاقي، نحن لا نحتاج لفتوى إنما لتوعية دينية وأخلاقية وهنا المسؤولية من وجهة نظري ملقاة على وزارات الإعلام العربية إذا كان المشاهد يهمهم. ومن الطريف أن الكثير من محبي الدراما العربية يؤكدون أنهم استمتعوا وتابعوا أغلبية المسلسلات الرمضانية بعد شهر رمضان، شخصياً على سبيل المثال استمتعت مؤخراً بمسلسل "ليالي" عن القصة الشهيرة لرجل الأعمال المصري طلعت مصطفى والمطربة الراحلة سوزان تميم، وحظي هذا المسلسل بأعلى مشاهدة عربية مؤخراً، رغم أنه عرض في رمضان الماضي ولم تكن جاذبيته للمشاهدة إلا بعد مرور أقل من عام عليه، فهل بالفعل أن القنوات الفضائية تعي أهمية هذا الأمر؟. أم أن الأهم لدى هذه القنوات المعلن وليس المشاهد فقط!.