انطلقت شرارة السؤال الصعب من فم «عفاف» معجونة بالقهر والمهانة، وهي مذهولة، بعد أن تركها سائقها الخاص وحيدة في سيارتها المتوقفة وسط شارع مزدحم في مدينة الرياض.» أهان وأنا في بلدي؟.. لماذا أقف عاجزة في سيارتي التي تحمل اسمي، وأدفع أقساطها من راتبي، وفي جيبي رخصة قيادة دولية باسمي أستحققتها عن جدارة من دولة مجاورة؟، لماذا لا أبدأ بقيادة سيارتي بنفسي»؟. سائق عفاف الآسيوي تركها وهي في منتصف الطريق إلى عملها صباحاً؛ هكذا ببساطة غضب من ملاحظة قالتها له، فأوقف السيارة ورمى لها المفاتيح، ثم أوقف سيارة أجرة وركبها، دون أن يلتفت إلى ندائها، ولا إلى توسلاتها، التي سكبتها وراءه بمذلة وهو يغيب بعيداً! "الرياض" حملت سؤال عفاف الساخن وعرضته على مختصين في (الحقوق الإنسانية، علم الاجتماع، الشرع والقانون، وفي الشأن المروري كذلك)؛ فطرحوا وجهات نظرهم حول آلية التمهيد لقيادة المرأة للسيارة وكيفية تطبيق ذلك ولو مرحلياً؛ وهو ما ذكره الشيخ أحمد بن باز في رأيه حول هذا الأمر، قائلاً:"هذه ليست دعوة للمرأة لقيادة السيارة فمن لا يريد فمن حقه وإنما هي دعوة لإعطائها كرامتها وحقوقها الإنسانية والشرعية التي أعطاها الإسلام". واليكم التفاصيل: حق إنساني في البداية تؤكد الباحثة في الشؤون الإسلامية، وعضوة جمعية حقوق الإنسان، "سهيلة زين العابدين" أن الإسلام ما حرم المرأة من حق من حقوقها، وقيادة سيارتها حق لها، والمملكة سبق ووقعت على اتفاقية دولية تقضي بعدم التمييز ضد المرأة، ومنها حق التنقل واستخدام وسائله. وقالت"لا يوجد نص شرعي يحرم قيادة المرأة للسيارة، ونحن بلد نعمل بتعاليم الإسلام ونعرف تماماً أن الأصل في الإسلام الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم"، مستغربة شعور الخائفين على المرأة من القيادة مع أنهم وافقوا على عملها كمعلمة في أماكن نائية، أو كخادمة تقفل عليها أبواب البيوت، متسائلة " لماذا يصرون على بقاء نسائنا منقادات خانعات تحت رحمة سائق حتى لو كان مجوسياً أو بوذياً، أو له سوابق في بلده، أو فيه خلل نفسي، أو أخلاقي، أو عقائدي"؟.. مستشهدة بحادثة جرت لها حين تركها سائقها مع أختها ذات مساء في منطقة بعيدة عن سكنهما، وذهب "كعقوبة " لهما لمجرد أنهما خرجتا وفقاً لمخططهما هما وليس وفقاً لمخططه هو! وأضافت أن الاعتماد على السائقين له مخاطر أخلاقية وأمنية واقتصادية أكبرمن مخاطر قيادة المرأة للسيارة، لذا فقيادتها ضرورة وليس ترفاً "خاصة عند الأزمات"، مستشهدة بحادثة الفتاة "ملاك المطيري" – ذات الخمسة عشر ربيعاً - التي قادت سيارتها "الجمس" وأنقذت أباها وأخاها وثماني أسر كانت محتجزة في سيول جدة، وذلك بفضل الله ثم بفضل معرفتها لقيادة السيارة، وقد قامت بذلك ولم يهنها أو يعاتبها أحد على قيادتها للسيارة، بل كرمتّها مدرستها المتوسطة، كما كرمتها الصحافة، واحتفى بها المسؤولون. حق شرعي وكان الكثيرمن العلماء من أعلن تأييده لقيادة المرأة للسيارة بعد تعاظم المعاناة مع مشاكل السائقين وتبعات استقدامهم؛ فالشيخ أستاذ الفقه المقارن والقاضي السابق في محكمة حائل "عبد الله المطلق" أعلن رأيه الصريح حول هذا الموضوع (عكاظ - 4 يونيو2009) مؤكداً أنه "لا يوجد مسوغ شرعي يمنع المرأة من قيادة السيارة"، ومصرّحاً أنه يعد دراسة متكاملة يمكن بموجبها السماح للمرأة بقيادة السيارة من أجل درء المفسدة للسائق الأجنبي في المجتمع السعودي، داعياً إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة عاجلاً "لا سيما أن المرأة في الضواحي والقرى تقود السيارة منذ عقود من الزمن، ولم تسجل على نساء أهل القرى ممن يمارسن القيادة أي مشاكل على الإطلاق، بل كسبن الاحترام بشجاعتهن واحترامهن للأنظمة المرورية، بما يفوق احترام الرجال لقوانين السير والمرور؛ وهناك سيدات يملكن سيارات بأسمائهن"، مؤكداً على أن "السائق الأجنبي رصد عليه الكثير من الملاحظات، وبالتالي قيادة المرأة فيها درء للمفسدة، لا سيما أنه لا يوجد أي محظور أو مسوغ شرعي يمنع المرأة من قيادة السيارة، أما "العادات والتقاليد في مجتمعنا فيجب ألا تحكمنا على الإطلاق"، مشيراً إلى ضرورة إطلاق حملة توعوية للشباب باحترام الفتيات أثناء القيادة حتى يتأقلم الجميع ويصبح الأمر عادياً. حق قانوني والسؤال.. لماذا لا تقود المرأة السيارة في بلادنا إذا كانت تملك رخصة قيادة دولية؟. كانت كلمة القانون هي الكلمة الفيصل، بعد موقف الشرع الحنيف، التي يرجع إليها مآل هذا الموضوع، فتوجهنا بالسؤال إلى المستشار القانوني "بندر بن ابراهيم المحرج" فأجابنا قائلاً:إن المادة الثانية والثلاثين من نظام المرور تنص على (يحظر على أي شخص قيادة أي مركبة قبل الحصول على رخصة القيادة اللازمة وفقاً لأحكام هذا النظام ولائحته)، وتأسيساً على هذا النص فإن كلمة – شخص- الواردة فيه ليست مقصورة على الذكر دون الأنثى، مشيراً إلى أن قصر إصدار رخصة القيادة للذكور دون الإناث "ليس له مستند من نظام المرور ولا لائحته". الشيخ المطلق: قيادة المرأة فيها درء لمفسدة السائق نظرة واقعية وكذلك نشر "الشيخ أحمد بن باز" رأيه صراحة - في الوطن (15 يناير 2010) معتبراً قيادة المرأة للسيارة "قضية حقوق لا قضية أولوية" وأن من منعها من القيادة من مشائخنا الفضلاء في السابق هو "لاعتبارات لا أظنها موجودة الآن أو يمكن مناقشتها وإعادة النظر فيها"، معتبراً أن "الخوف على النساء من أن يعتدي عليهن أحد ليس مبرراً كافياً لمنعهن من القيادة؛ فهذه مشكلة أمنية وتربوية بالدرجة الأولى وليست مشكلتهن"، مؤكداً على "أن من يملك الملايين ويسكن القصور ولديه من الخدم والحشم و(السواويق) قد تكون هذه القضية آخر همِّه، أما من تُراق كرامتهن على أرصفة الشوارع يستجدين سيارات الأجرة و(يفاصِلن) أصحابها في قيمة (التوصيلة) لتذهب إحداهن لمدرستها أو لعملها المصدرالباقي لكرامتها أو للمستشفى للعلاج أو لحاجاتها أو لغير ذلك فليست ترفاً، ومن تجمع الريال على الريال لتوفر رواتب "السواق" وتبني له ملحقا خارجيا و (تتمرمط) للحصول على تأشيرة قبل ذلك أصلاً فليست ترفاً". كيف نبدأ؟ ومن باب استكمال وضع النقاط على الحروف في هذا الموضوع، تطرح "الرياض" عدة مقترحات لمختصين تشترك في تحديد "الخطوة العملية الأولى" التي نطبق فيها آلية قيادة المرأة للسيارة في حال اعتماد الأمر، منها ما قاله لنا أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية؛ "أ.د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني" منطلقاً من قناعة عميقة لديه بأن موضوع قيادة المرأة للسيارة هو موضوع اجتماعي، يتعلق بكل امرأة وبكل أسرة في المجتمع، وبناء عليه اقترح في دراسة سابقة له، ويقترح هنا مجدداً، إجراء استفتاء في جميع مناطق المملكة، وأن تكون العينة ممثلة، ويتم استطلاع آراء المجتمع حول هذه القضية، وعندها يصبح القرار جماعياً واجتماعياً، سواء بالإيجاب أو بالسلب، وبناءً على ذلك القرارتتخذ الإجراءات المناسبة والمتوافقة معه، وبهذه الطريقة يكون المجتمع هو المرجعية في هذه القضية الاجتماعية الحيوية والحساسة التي طال الحديث والجدل حولها في العقدين الأخيرين. خطة محكمة بينما يقترح القاضي بالمحكمة الجزائية بالرياض "الشيخ د.عيسى بن عبد الله الغيث" منطلقاً من قناعته بأن " قيادة المرأة للسيارة ليس بمحرم لذاته وإنما محرم لغيره من المفاسد المتوقعة"، فهو يرى عدم فتح الباب مباشرة وبشكل كلي لقيادة المرأة للسيارة وفي نفس الوقت لا يغلق الباب بتعنت حتى لا يكسر. والذي يقترحه "د.الغيث" عملياً وكمرحلة اختبار وتجربة أن يتم الإذن بقيادة المرأة للسيارة ضمن خطة محكمة وبشكل انتقائي وفي وقت معين من اليوم ويحدد له مدينة أومحافظة تختار بعناية، ثم يتم تفريغ مجموعة من الشرعيين والقانونيين والنفسيين والاجتماعيين والأمنيين وغيرهم لمراقبة هذه التجربة وتعديلها بشكل مرن وسريع، وخلال أشهر يعدون تقريرهم ويرفعون توصياتهم بهذا الخصوص، وبهذه الطريقة – وفق قول "د.الغيث" - نحقق المصالح وندرأ المفاسد ونسد باب الذرائع ونحقق مناط أصول وقواعد ومقاصد الأحكام الشرعية، فالقيادة – برأيه - أصبحت "كالفوبيا الهالعة" التي نتفهم تفسير دوافعها ولكن لا نفهم مبرر عدم الحوار والتجربة العملية بشأنها لإقناع الموافقين والمعترضين في آن واحد، فمتى تحققت المصالح المعدومة حالياً وانتفت المفاسد الواقعة حالياً مع جلب المصالح ودرأ المفاسد والموازنة عند الاقتضاء، فيجب حينئذ التقيد بذلك والالتزام فيه والاحتجاج به، حيث يقرر حينئذ السماح أو المنع بعد بيان أسبابه للجميع وبقناعة عامة من قبل المجتمع قبل صاحب القرار، لرفع الحرج عنه ويكون رغبة جماعية واجتماعية بالموافقة أو المنع. تحويل الخادمات إلى سائقات! وفي مقترح آخر لإحدى التربويات رأت فيه وجوب السماح للخادمات كخطوة أولى بقيادة السيارات العائلية، مما سيخفض كثيراً أعداد السائقين المستقدمين، أو السماح بترخيص شركات نقل داخلي تقود سياراتها نساء أجنبيات – في البدء- لخدمة توصيل المرأة؛ مع تكثيف الحملة التوعوية الموجهة لكل فئات المجتمع لتقبل واحترام رأيتهم للمرأة كقائدة للسيارة. التدرج مع الحماية من جهته يرى أستاذ الخدمة الاجتماعية الاكلينكية قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام "د.ناصر بن صالح العود" أن موضوع قيادة المرأة للسيارة -كما يتفق مع ذلك عدد كبير من المثقفين والعلماء- هو موضوع ثقافي ومن هنا فإن تشريع السماح للمرأة بقيادة السيارة مرتبط بالوقت المناسب لطرحه، ومن هنا فإنه يجب على القائمين على هذا المشروع العمل على أخذ منحى التدرج في إقراره، حيث يتوقع أن يصاحب السماح به عدد من العقبات الاجتماعية مثل الانتقاد المباشر لمن تقوم بالقيادة ومحاولة التأثيرعلى ولي الأمر من خلال استخدام وسائل الضغط الاجتماعي (الأسرة، قادة الرأي،.. ) ومن هنا يجب أن يؤخذ في الاعتبار السماح بالقيادة في المدن الكبيرة والمتحضرة، وأيضاً في أحياء ومناطق معينة من المدينة شريطة أن تكثف الحماية من قبل السلطات الأمنية، ومرافقة المحرم للمرأة بالسيارة في البدء لتوفير الأمن وتلافي الفضول. سهيلة زين العابدين تجارب دولية وترى "عواطف العتيبي"، وهي موظفة، ولديها رخصة قيادة دولية وتقود سيارتها في الخارج منذ 15 عاماً، أنه من خلال خبرتها عند استصدارالأوراق اللازمة من دولة عربية لم تكن القوانين موضوعة على أساس نوع الجنس، أو العمر، أو اللباس، أو موافقة ولي الأمر، أو الأماكن التي ستقود فيها، مؤكدة على أن تبني مثل هذه العقبات عند تطبيق حق قيادة المرأة للسيارة سيبعدنا عن الجوهرالأساسي للقضية؛ لذا هي لا تعتقد بوجوب تصنيف وخلق قانون خاص بالمرأة والانشغال عن أهمية القيادة في حد ذاتها والتي تعتبر في ظروفنا الحالية حاجة اجتماعية ملحة، وذلك منعاً لتعقيد أمورنا الحياتية. من هنا تؤكد "عواطف" أن التغيير يبدأ بخطوة، وما علينا إلا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فتجربة قيادة المرأة والقوانين التابعة لها في جميع الدول الإسلامية تجربة ناجحة ولم تحفل بالعقبات والتحديات فالقانون وضع للجميع وعلى الجميع المثول له؛ وقد تكون عودتنا لتلك الأساسيات ضرورة في هذه المرحلة؛ ومن الأفضل أن تقوم كوادر وطنية مثقفة وملمة بالمقاييس العالمية لقيادة المرأة، وقادرة على إنتاج رؤية سليمة تضمن احترام كينونة المرأة وحقوقها بأخذ هذا الموضوع بجدية صارمة، لأن المزيد من عرقلة هذا الحق لن يؤدي إلا للمزيد من التراجع الاجتماعي والفكري. الحزم والتوعية معاً ومن جهته يؤكد الباحث والكاتب "د.عبدالله ابراهيم الكعيد" والمختص بالشأن المروري؛ ضرورة البدء بالسماح للمرأة بقيادة السيارة في هذه المرحلة، مؤكداً على أنه ما من داع لخوف المتخوفين من إمكانية وجود مضايقات للمرأة حين تقود السيارة لأن "ردع المتحرشين- كما تفعل جميع المجتمعات– سيجعل الأمور طبيعية مع الوقت والحزم"، مشيراً إلى أن تكرار طرح قيادة المرأة للسيارة في بلادنا لا يُفقد الموضوع وهجه "ما لم يُعطَ هذا الحق"، وقوله هذا يرد به على من "يدعي عدم وجاهة المطالبة في وقتِ يوجد لدينا من الأولويات ما هو جدير بالاهتمام أكثر من هذه القضيّة"،ويضيف: " للأسف أن من يُردد هذا القول لا يعي حجم الخسائر التي يتكبدها الوطن جرّاء حرمان المرأة حقها في قيادة السيارة"، معدداً الخسائر التي يراها من وجهة نظره جراء هذا الحرمان "، فمن الناحية الاقتصادية لننظر إلى الحجم الهائل للمبالغ المالية التي تحوّل سنوياً للخارج من سائقي (العوائل)، هذا غير تكلفة استقدام هؤلاء وضغطهم على الخدمات التي يمكن توفيرها للمواطن في حالة الاستغناء عنهم، ثم المشاكل الاجتماعية والأخلاقية (المسكوت عنها)، والتي تنتج جراء زرع جسم غريب داخل جسد الأسرة لا يمت لها بأدنى صلة (قرابة أو ثقافة أو مُعتقد أو عادات وتقاليد)، و"ثالثة الأثافي" سوء مهارات وتأهيل السائقين الأجانب وبطء استيعابهم لأنماط القيادة على طرقات بلادنا وما يشكله وجودهم بتلك الأعداد الضخمة من تزايد أحجام الحركة على الطرقات، هذا إذا اعتبرنا وجود سائق واحد فقط لكل عائلة".