من المعروف أن لكل فعل ردة فعل, مساوية لها بالقوة ومضادة في الاتجاه, وبما أن هناك كتابا غير معروفي الانتماء والتوجه, جعلوا من أنفسهم مركزا متخصصا في مهاجمة الدين والشعور الديني, والضمير الديني, والعبقرية الدينية, وأخذوا يركزون في الأذهان أن الإسلام انتهى عصره, وأن الإسلام لم يبقَ منه اليوم إلا العبادات الشكلية التي هي الصوم, والصلاة, والحج, وعقود الزواج, والطلاق, واخذوا على عاتقهم نقد وتجريح العلماء بدون تمييز, فخلطوا بين المعتدل المتمكن وأنصاف العلماء! الذين هم قوم لهم في كتب الدين قراءات مبتورة لا تميز غثا من سمين, ولا تعرف أصلا من دخيل, والذين اقتحموا أبواب الدعوة والفتوى اقتحاما دون تأهيل شرعي كافٍ, فقد جعل هذا النقد اللاذع ضد رجال الدين مسوغا لأنصاف العلماء هؤلاء أن يحدثوا فوضى شديدة ببعض فتاواهم الغريبة, ولعل هذا يكون أمرا متوقعا كردة فعل لما يقوم به المتربصون بكل ما هو ديني, وكذلك لان العلماء المتمكنين الربانيين ليس من شيمهم الدخول في جدال مع كتاب صغار بفكرهم, كبار بالمساحات التي تمنح لهم لبث فكر مؤدلج واضح المعالم.. لذلك أصبحت الساحة متروكة لفريقين متطرفين بفكرهم, فهذا ينكر كل شيء ديني ويعيبه ويعيب أصحابه, وذاك يصدر فتاوى غريبة من باب تعكير صفو الاعتدال في صحوة إسلامية رائعة نعيشها في هذا العصر, وأنا لست هنا لذكر تلك الفتاوى والرد عليها, فهي أولا معروفة للجميع, وثانيا أنا لست مؤهلا للرد عليها بالدليل الشرعي حتى وان عرفته, ولان ذلك سيحسب علي وليس في صالحي, لأسباب قد تتضح فيما يلي من هذا المقال. لا شك إخواني أننا نعيش صحوة إسلامية تتسم بالانفتاح, وذلك تمشيا لما يتميز به هذا العصر من عالمية الكلمة والفكرة, فالعالم يسمع بعضه البعض, ويشاهد الجميع منه الجميع, فلا حواجز ولا جدران, بل فضاء واسع يعيش به الكل جنبا إلى جنب, وقد كان من الطبيعي أن يوجد أعداء لهذه الصحوة, ولكن الغريب أن اخطر خصومها ليسوا هم من أعلنوا العداء جهارا سواء من بني جلدتنا أو من الأغراب, بل هم أناس لهم نوع من الفكر الديني يلبس ثوب السلفية, وهم ابعد الناس عن السلف.. إن حب السلف دين وكرههم نفاق! إنهم دعائم حضارتنا, ومعالم رسالتنا, من اجل ذلك يجب أن نحسن التأسي بهم, وان ندفع عنهم كل ما يؤذي سمعتهم! فكثير من الأمور الثانوية العادية, جعلت من قبل أنصاف العلماء هؤلاء دينا! بل خروجا عن الملة! وأصبحت هي مقياسهم لمن هو كافر ليبرالي او مسلم سلفي يتبع السلف الصالح في نظرهم, من تلك الأمور مثلا غطاء وجه المرأة, او قيادتها السيارة, أو مخالطة الرجال حتى في الأماكن المقدسة!! سبحان الله, حتى المسجد الحرام أصابته الريبة في الاختلاط!!.. فالذي اعلمه عن غطاء وجه المرأة, انه لم يعرف عن علماء المذاهب الأربعة ومنهم الإمام احمد الذي عرف بتشدده, أن وجه المرأة عورة, ذكر ذلك المغني لابن قدامة, وهو رأي أئمة المذاهب الأخرى, قال ابن قدامة (ص 431 من الجزء الأول): قال مالك والاوزاعي والشافعي "جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها, قال تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس: الوجه والكفين.. ولان النبي نهى المرأة المحرمة عن لبس القفازين والنقاب, ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما, وقد بين كثير من العلماء دليل الحاجة لكشف الوجه بأنها تحتاج لذلك في البيع والشراء" حتى إذا أرادت إرجاع مبيع عرفت "واستدلوا على كشف اليدين للأخذ والعطاء.. وأنا هنا لا أقارع أحدا بهذا الرأي او سواه, بل أبين انه أمر ثانوي بسيط فمن أرادت غطاء وجهها فلها ذلك ومن كشفت فلا باس.. وهذا ينطبق على قيادتها السيارة.. فليس من العقل أن يحرم ما احل الله, فأمر قيادتها الدابة بحد ذاته لم يقل فيه العلماء المتقدمون حتى يقاس به قيادتها للسيارة الآن.. فيجب أن نرجع كل تلك الأمور للعادات والتقاليد, ونبعدها عن الدين الذي هو منها براء.. إن الاجتهاد الفقهي خطأه وصوابه مأجور, والأمر لا يحتمل عداوة وفرقة! ولو سلمنا أن ما لديهم هو الصواب, فمخالفهم ما حرم ثواب الله! فلماذا يريدون إخراجه من دائرة السلف, لتبقى عليهم حكرا؟.. والله من وراء القصد.