** أزعجتني كثيرا.. مداخلة أحد طلاب الجامعة الإسلامية القادمين من الخارج.. وأشعرتني بالكثير من الألم والشفقة.. وجعلتني أستغرق في تلك الإشكالية الكبيرة التي عبُّر عنها. ** فقد قال الطالب المبتعث إلينا لبعض المتحاورين في أحد منتديات مؤتمر ( الإرهاب تطرف الفكر وفكر التطرف) أنه وزملاءه يواجهون مشكلة رفض المجتمعات التي يجيئون منها لهم.. ونظرتها إليهم على أنهم عناصر متشددة.. وأنهم قادمون إلى تلك المجتمعات بفكر تكفيري.. وبالتالي فإنهم يواجهون حالة من العزلة.. بفعل سوء الظن بهم.. وتخوف الناس منهم..(!!) ** أزعجني هذا الكلام.. بل وهز كياني.. لأن هذا الطالب عبر عن صدمته وزملائه.. كما عبر عن خيبة أملنا نحن هنا في المملكة العربية السعودية.. ** فعندما تأسست الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة.. فإن الهدف منها كان هو العمل على نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة في مختلف أرجاء العالم.. ومساعدة المجتمعات الأخرى على فهم أصول العقيدة والتعرف على سماحة الإسلام.. وبالذات في الدول الإفريقية والآسيوية التي أبعدتها الجغرافيا عن منابع ثقافة هذا الدين.. وثوابته.. وعظيم توجيهاته.. وبالتالي فإن عودة هؤلاء الخريجين إلى أوطانهم كان المقرر لها أن تكون بمثابة تنوير لتلك المجتمعات وتوثيق لصلتها بعقيدة السماء.. وذلك عندما يصبح هؤلاء الخريجون بمثابة قادة وموجهين ومصلحين لتلك المجتمعات إلى ما يحقق لهم الخير والفلاح ويربط هذه الأمة بأواصر متينة تصلهم بالمنبع والمصدر بصورة وثيقة.. ودائمة. ** ذلك كان الهدف، وتلك هي الغاية.. ** لكن.. أن تتحول نظرة تلك المجتمعات إلى خريجي الجامعة الإسلامية من موجهين.. ومرشدين لصلاح الأمة.. إلى مخربين وإرهابيين وقتلة.. بفعل الأخطاء الجسيمة التي تسببت فيها منظمة القاعدة.. وأساءت بها إلى العقيدة الإسلامية العظيمة.. وإلى كل المؤسسات العلمية الداعية إلى الخير ، فإن ذلك يحتم علينا أن نقف من هذا الأمر وقفة جادة.... وأمينة.. وقوية.. ** فإذا كان الخلل هو في المناهج الدراسية بهذه الجامعة وأمثالها.. وكذلك في الفكر الذي يحمله بعض أعضاء هيئة التدريس بها.. ويقودون هؤلاء الطلاب إليه.. فإن علينا أن نغلق هذه الجامعة وأمثالها فوراً.. أو أن نصحح مسارها بالكامل.. سواء من حيث كوادر العمل العاملة فيها.. أو من حيث المناهج والمقررات.. أو من حيث التوجهات وإدارة العمل فيها؟ ** وإذا كان الخلل في فهم الدول الأخرى المغلوط لحقيقة ما يدور في هذه الجامعة وأمثالها.. فإن تصحيح هذا الأمر لن يكون كافياً إذا هو تم من قبل الجامعة أو الجامعات المماثلة وحدها وعبر المؤسسات التعليمية فقط ، وإنما لابد وأن تقوم وزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي ووزارة الداخلية ووزارة الثقافة والإعلام ووزارة الحج ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بحملة منسقة وزيارات واسعة لدول العالم المختلفة ولاسيما الدول الإسلامية منها.. ليس فقط بهدف تصحيح الصورة الذهنية الخاطئة لديها عنا وعن جامعاتنا.. وإنما لمواجهة حرب التشويه التي تقوم بها دول وهيئات ومنظمات أخرى لها مصلحة في أن تسيء إلى المملكة العربية السعودية.. وتقلل من أهمية مركزها الديني وتصرف الأنظار عنها إلى دول وأماكن ومزارات ومناطق أخرى في العالم..! ** أقول هذا بكل صدق.. ** وأقوله بحرص الإنسان المسلم.. لأن الأمر خطير وخطير للغاية وإلا.. فإن علينا ان نقارن بين مخرجات الجامعات الأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية التي تتلقف أبناءنا بالآلاف وتعيدهم لنا وقد ارتبطت عقولهم.. وثقافتهم بتلك المجتمعات بوشيجة من الحب والتقدير والوفاء يصل في بعض الحالات إلى درجة الهيام ولا أقول الولاء.. في الوقت الذي تنظر فيه المجتمعات التي تستقبل أبناءها من مخرجات جامعاتنا بارتياب وحذر وتشكك.. فماذا يحدث إذا ؟ ** وماذا تنتظر بعد كل هذا؟! ** إن الجامعة الاسلامية اليوم نموذج رائع للفكر المتفتح والمستنير.. وأن ما تقوم به إدارتها العليا الآن عظيم للغاية لمعالجة كل الأخطاء.. لكن الصورة الذهنية لدى الغير لم تتغير عنها بعد.. ولذلك فإن التحرك الواسع.. والقوي.. والسريع.. يصبح ضرورة وطنية .. وإسلامية.. وأخلاقية في آن معاً.. وعلينا ألا نتأخر فيه كثيراً.. ضمير مستتر: ** [ هناك من يصنعون مجد أمتهم.. وهناك من يدمرونه بعقولهم المريضة والمأزومة ]