شغلت قضية الشركة السعودية للتنمية الصناعية "صدق" مع جمعية البر الخيرية بجدة عناوين الأخبار الاقتصادية منذ الشرارة الأولى في نهاية مايو 2009، وشهدت التقارير حينها تصريحات مختلفة من طرفي القضية يحتفظان فيها بحق "مساهميهم" أو "مستضعفيهم". القضية التي يدور رحاها حول مبلغ 8 ملايين ريال مثبتة بحسب تصريح "صدق" على أنها قرض حسن، وحسب تصريح "جمعية البر" على أنها استثمار كانت حسب عقود مؤرخة في 1 مايو 2005 و2 يوليو 2005م، الإثباتات ليست "مختلقة" أو "مزورة" بل هي "حاضرة" و"مثبتة" على كلا الصفتين "قرض حسن" و"استثمار"، ومداولات القضية التي استغرقت قرابة السنة مع قرب استحقاق الدفع في 9 مايو 2010م، ينتظر أن يصدر قرار الفصل فيها بنهاية هذا الأسبوع، والخيارات إما استرجاع أصل المبلغ أو التنازل عن جزء من حصة "صدق" في شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات "ينساب". "الرياض الاقتصادي" تابعت القضية على صفحاتها بأكثر من تقرير وخبر استحضرت فيها آراء كلا الطرفين وتعقيبهما على مستجدات القضية، وفي إطار ذات المتابعة حصلت "الرياض الاقتصادي" من مصادرها على صور ضوئية للصفقة بصيغتيها التي تمسك بها الطرفان، وتطرح ضمن متابعتها أراء مستقلة حول تقييم الصيغتين كما وردت إلينا. التخارج النظامي الصحيح ويرى الاقتصادي محمد العنقري بعد إطلاعه على المستندات التي حصلت "الرياض" عليها أنه لا يجوز إبرام عقد يمثله أطراف لها علاقة بالجهتين إلا بعد أخذ موافقة الجمعية العمومية أو أن يكون العقد مشروطا بأن تؤخذ موافقة الجمعية عليه حتى يصبح قانونيا، وإذا كانت الشركة بحاجة للتمويل بذلك الوقت فإن الواجب أن تتبع الطرق المعتادة للحصول على القرض، فكان بإمكانها رهن الأسهم مقابل التمويل لدى أي جهة تمويلية او اتباع طرق أخرى. وتابع "النقطة الأهم في قراءة الصيغتين هي أن عقد التمويل المبني على إعادة المال بعد خمس سنوات كان يفترض ألا يتطور إلى بيع حصص، لانه لا يوجد مبرر منطقي فلم تنقضِ المدة اصلا للمفاهمة على تأمين المبلغ بطريقة البيع والشركة لم تصل لمرحلة تعثر عن السداد. وقال "رغم أن مجلس الإدارة مفوض من قبل المساهمين بإدارة الشركة، لكن في مثل هذه القضايا الجوهرية التي تمس ملكيات الشركة والتي هي بالنهاية ملك المساهمين فإن بيع الحصص لا بد ان يمرر بالجمعية العامة". ولفت إلى أن قلة وعي المستثمرين بحقوقهم في ذلك الوقت هو السبب في عدم اعتراض أي من المساهمين، مما أدى لتفاقم المشكلة لدرجة قد تثبت فيها الملكية ل"جمعية البر" نظرا لأن الشركة ملزمة بالنهاية باعادة اموال المقترضة. وأشار العنقري إلى أهمية إيقاع عقوبة على مجلس الإدارة السابق لأنه باع "ضمنيا" بتنازله عن حصته في "ينساب" قبل انقضاء المدة القانونية للقرض والتصرف في "أسهم التأسيس" والدليل على ذلك اشتراطهم بأن يبقى موضوع البيع سرياً نظراً لعدم قانونيته، كما أن الشركات تقوم برهن أصولها في حال حاجتها للمال وليس بيعها. وعن رأيه بمرجعية هيئة السوق المالية وحلها للقضية قال تدخل الهيئة اقتصر خلال المرحلة السابقة بالحجز على حصة من اسهم الشركة تعادل قيمة القرض المقدم من الجمعية، وهذا لضمان حقوق الاطراف بعد أن شكلت لجنة بأمر سام، ولكن التدخل الكامل من الهيئة بخصوص مخالفة مجلس الادارة لنظام الشركات المدرجة بالسوق من خلال تصرفهم ببيع حصة من استثمار لا يحق لهم التصرف فيه بالبيع الا بعد انتهاء المدة هو ما ننتظر من الهيئة "القول الفصل" فيه. كما يجب ان يكون للمساهمين تحرك باتجاه مطالبة الهيئة ووزارة التجارة بالبت في مدى قانونية الاجراء خاصة إذا ما علمنا ان باقي المبلغ الذي تم الاكتتاب به جاء بطريقة قرض من بنك الجزيرة وتم رهن الأسهم لحين سداده. وتابع "هذا الإجراء الطبيعي المتبع لأغلب الشركات أمام مسألة البيع قبل حق التصرف، فهو يحتاج الى بت سريع من قبل الهيئة لان فيه ضياعا لحقوق مساهمين دون ان يكون لهم رأي بذلك مع ضرورة الحفاظ على حقوق جمعية البر". وعن رأيه في التزام "جمعية البر" بالعقد الخاص ببيع الحصص وعدم تنفيذ ما جاء فيه عبر اللجوء للتحكيم في حال الاختلاف، وإنما ذهبت للمحكمة، مضيفا "هنا تطور مختلف كون الطرفين مختلفين بكل شيء فتم اللجوء للقضاء لأن المراحل التي تم الاتفاق عليها كانت بين طرفين انتهى دورهما الآن، ولذلك فان الممثلين الجدد تفاجأوا بواقع يتطلب ان يعود كل منهم الى القانون ومدى شرعية الاجراءات التي تمت مما اوصل القضية للقضاء". الجمعيات الخيرية ليست للنفع المادي من جانبه قال المستشار القانوني ماجد أخضر "يظهر لي من خلال الإطلاع على تفاصيل القضية أن جمعية البر بجدة قد اجتهدت اجتهادات غير موفقة وذلك بتوقيعها على اتفاقية القرض التي قدمت بموجبها قرضا حسناً بمبلغ 8 ملايين ريال للشركة السعودية للتنمية الصناعية (صدق)، حيث خالفت بذلك المادة الثانية من أحكام لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي قصرت علاقات الجمعيات بالمجتمع في تقديم الخدمات الاجتماعية نقداً أو عيناً والخدمات التعليمية أو الثقافية أو الصحية، مما له علاقة بالخدمات الإنسانية، دون أن يكون هدفها الحصول على الربح المادي والتي حظرت على الجمعيات الدخول في مضاربات مالية". وفي ذات الحديث قال أخضر "ارتكب المسؤولون في مجلس إدارة صدق مخالفة من الناحية النظامية وذلك بإخفائهم لمعلومة مهمة في التقرير السنوي لعام 2005م، حيث إنهم لم يشيروا إلى أن عقد القرض الذي قدمته الجمعية لهم قد أصبح عقد بيع لحصة من أسهم الشركة في شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات (ينساب) بقيمتها الاسمية، وهنا تثور عدة تساؤلات حول مدى مشروعية الإجراءات التي اتخذها أعضاء مجلس إدارة الشركة وهل تجاوزوا حدود صلاحياتهم من ناحية عقد القروض والبيع". وأضاف "في حال لم يتضمن نظام الشركة أحكاماً في هذا الخصوص فلا يجوز للمجلس القيام بالتصرفات المذكورة إلا بإذن من الجمعية العامة العادية حسب نظام الشركات ولكل ذي شأن أن يطلب التعويض بقدر ما أصابه من ضرر نتيجة تصرفات أعضاء مجلس الإدارة التي نشأت عن أساءتهم لتدبير شئون الشركة أو مخالفتهم لأحكام نظام الشركات". وبحسب رأيه لا يستبعد أن يصدر قرار يقضي ببطلان عقد البيع المبرم بين الطرفين تطبيقاً لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل، حيث يظهر في هذا العقد الكثير من الشوائب من الناحية النظامية على أن تعاد قيمة القرض لجمعية البر وتعاد ملكية الأسهم للشركة مع مراعاة الأضرار التي لحقت بالجمعية نتيجة لتجميد هذا المبلغ طوال هذه الفترة مع تحميل المسئولية لأعضاء مجلس الإدارة في الجهتين. عقد بيع الحصص المحكمة وخلاف التحكيم فيما يتعلق بالبند الخاص بالتحكيم في عقد "بيع الحصص" أشار المستشار القانوني مروان الروقي إلى أن التحكيم "قضاء ذاتي" مستقل يهدف إلى تخفيف العبء عن المحاكم وحل النزاع في وقت قصير وايضا حفظ اسرار الدعوى. وأضاف "حين يتم الاتفاق على التحكيم في العقد فان هذا يعتبر شرطا لاحقا على النزاع وبالتالي لابد من الرجوع الى التحكيم في حالة وجود نزاع على العقد المتفق عليه". وبحسب قضية "صدق" مع "جمعية البر" وما جاء في البند السابع من عقد "بيع الحصص" شرط الإحالة الى التحكيم في حال وجود نزاع، وبالتالي فإن "نظام التحكيم" قد نص في مادته السابعة على أنه إذا كان الخصوم قد اتفقوا على التحكيم قبل قيام النزاع أو إذا صدر قرار باعتماد وثيقة التحكيم في نزاع معين قائم فلا يجوز النظر في موضوع النزاع إلا وفقاً لأحكام هذا النظام، وبالتالي فان التحكيم هو صاحب الولاية في نظر الدعوى. وفي حالة هذه القضية تعد "جمعية البر" جهة حكومية وبحسب المادة الثالثة من نظام التحكيم "لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ويجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم. وتابع الروقي، ورد أيضا في المادة الثامنة للنظام نفسه "في المنازعات التي تكون جهات حكومية طرفاً فيها مع آخرين ورأت اللجوء إلى التحكيم يجب على هذه الجهة إعداد مذكرة بشأن التحكيم في هذا النزاع مبيناً فيها موضوعه ومبررات التحكيم وأسماء الخصوم لرفعها لرئيس مجلس الوزراء للنظر في الموافقة على التحكيم ويجوز بقرار مسبق من رئيس مجلس الوزراء أن يرخص لهيئة حكومية في عقد معين بإنهاء المنازعات الناشئة عنه عن طريق التحكيم، وفي جميع الحالات يتم إخطار مجلس الوزراء بالأحكام التي تصدر فيها. وحسب رأيه فإن التكييف القانوني للقضية هو المطالبة بسداد قيمة القرض واثبات ملكيتها للاسهم في الشركة، وهو من اختصاص المحكمة العامة للمطالبة بسداد قيمة القرض، أما إذا كان المطالبة باثبات ملكية الاسهم (اذا كان عقد بيع الحصص نظاميا) فهي ليست من اختصاص المحكمة العامة بل تخضع لاختصاص وزارة التجارة. وقال "هذا الحديث يمكن ان يقودنا للتطرق الى تنازع الاختصاص في الجهة التي تنظر القضية والتي عالجها نظام ديوان المظالم الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428ه وضع تنظيماً خاصاً لحل تنازع الاختصاص الذي قد ينشأ بين إحدى محاكم ديوان المظالم وجهة أخرى، حيث قررت المادة (15) من النظام المذكور بأنه (مع عدم الإخلال بما ورد في المادة السابعة والعشرين من نظام القضاء، إذ رفعت دعوى عن موضوع واحد أمام إحدى محاكم الديوان وأمام أي جهة أخرى، تختص بالفصل في بعض المنازعات ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلتا كلتاهما، فيرفع طلب تعيين الجهة المختصة إلى لجنة الفصل في تنازع الاختصاص التي تؤلف من ثلاثة أعضاء: عضو من المحكمة الإدارية العليا يختاره رئيس المحكمة، وعضو من الجهة الأخرى يختاره رئيس الجهة، وعضو من مجلس القضاء الإداري يختاره رئيس المجلس ويكون رئيساً لهذه اللجنة، كما تختص هذه اللجنة بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من محاكم الديوان والآخر من الجهة الأخرى، وتفصل في هذه الدعاوى وفقاُ للأحكام والإجراءات الواردة في نظام القضاء (ولكن هذا اذا كانت المطالبة باثبات ملكية الاسهم, اما اذا كانت سداد القرض فهي من اختصاص المحاكم العامة. وبمتابعة قراءة الروقي لنسخ الاتفاق بين طرفي القضية، قال "العقد وقع بين جهتين ولكل جهة ممثل نظامي حسب العقد الاساسي لتنظيم الشركة او النظام الاساسي للجمعية وهي تشبه ما يسمى بالنيابة في التعاقد ومصدرها القانون او الوكالة أو القضاء، والحالة أمامنا كما ذكرنا مصدرها النظام الاساسي للجميعة أو الشركة فمن هو المخول نظاماً في إبرام العقود وتمثيل الشركة نظامياً، وبالتالي فاذا كان الشخص الذي قام بتوقيع العقد لا يملك الصفة النظامية للعقد فإن العقد يشوبه البطلان النسبي، وبالتالي يحق للطرف الاخر التمسك بهذا البطلان في الدعوى المقامة". وأضاف أن العقد الاول كان عقد قرض حسن وهو عقد مستقل عن الآخر، فالعقد الثاني هو في ظاهرة عقد بيع حصص ولكن الهدف منه هو الابراء، وبالتالي فإن القيمة المطلوبة للعقد هي 8 ملايين ريال كما في عقد القرض، وهذا مستند نظامي على وجود المطالبة المالية، العقد صحيح متى ما كان للأطراف الصفة القانونية لتوقيع العقد كما ذكرت. أما العقد الثاني (بيع الحصص) فهو عقد ابراء ذمة من المبلغ المطلوب عن طريق المقاصة باسهم الشركة، وبالتالي فإذا كان هذا التصرف والإجراء الذي قامت به الشركة صحيحا ومخولا لها نظاماً وفق نظام الشركات بخصوص بيع أسهم المؤسسين، فإن الشركة هنا ملزمة بتسليم الأسهم للطرف الآخر، أما إذا كان هذا التصرف والإجراء غير نظامي فإن العقد اختل محله، وبالتالي يصبح باطلاً بطلانا مطلقا وعلى المقترض الوفاء بقيمة القرض كما هو متفق عليه في العقد الأول.