في كل عام في مثل هذا الأيام يقوم مزارعو وادي الدواسر بعمل فريد ضاربين به أروع الأمثلة في أعمال البر والتكافل الاجتماعي ، حيث يقوم هؤلاء المزارعون بعد كل موسم لحصاد محاصيل القمح بالسماح لأصحاب المواشي برعي مواشيهم في محاورهم الزراعية بدلاً من حرثها أو بيع بقايا المحاصيل أو حرقها وتلويث الأجواء كما يفعل بعض المزارعين .. وأصبحت هذه المبادرة عادة سنوية لدى هؤلاء المزارعين منذ إنشاء مشروعاتهم الزارعية حتى بات مربو المواشي في بعض مناطق المملكة يقصدون تلك المشروعات عندما يفتك بمواشيهم القحط وغلاء أسعار الأعلاف .. وفي موسم حصاد القمح هذه السنة التي ضرب فيها القحط بأطنابه ، و اضطرمت فيها نار الغلاء ولا سيما في أسعار الأعلاف ، توافد أصحاب المواشي من كل حدب وصوب قاصدين هذه المشروعات، فإذا بأصحاب هذه المشروعات كعادتهم السنوية قد فتحوا قلوبهم لإخوانهم قبل مشروعاتهم ، بل أقاموا لهم ولائم الضيافة تعبيرا عن سعادتهم بنزولهم عندهم ، على الرغم من أنهم اكتووا بنار الغلاء أكثر منهم سواء في أسعار المواد الكيمائية أوالأسمدة أو المحروقات وعلاوة على ذلك السعر الزهيد لطن القمح مقارنة به عالميا .. إن من يزور وادي الدواسر هذه الأيام ويرى مئات هذه المشروعات وقد احتوت أصحاب المواشي واحتضنت مواشيهم في هذا الوقت العسير لا يسعه إلا أن يرفع أكف الضراعة إلى الله - عز وجل - ويدعو لهم أن يبارك في أموالهم وأن يجعل ماقدموه في ميزان حسناتهم .. إن هذه المبادرة النبيلة التي يقوم بها هؤلاء المزارعون لهي أنموذج فريد حري بالتجار ورجال الأعمال أن يحتذوه في مشروعاتهم التجارية فيكون فيها ما يُؤازر توجه حكومتنا الرشيدة الذي يدعو إلى مشاركة التجار وأصحاب الشركات مع الدولة جنبا إلى جنب في تحسين وضع المواطن المعيشي و كبح جماح موجة الغلاء المتفاقمة، فلا يكون هم أولئك التجار فقط من إقامة مشروعاتهم التجارية جمع الأرباح على حساب الأرواح .. بل لا بد أن يكون لهم إسهام في أعمال الخير والتكافل الاجتماعي ، ودور فعّال في التخفيف من آثار موجة الغلاء المستعرة على المواطن. إن بعض التجار يخطىء خطأ فادحا عند قياسه للأرباح في أي مشروع تجاري ؛ وذلك حينما يأخذ بعين الاعتبار ( الكمّ في الأرباح ) وينسى شيئا آخر لا يوجد في معادلات ( المحاسبة الحديثة ) ولا يوجد - أيضا - في قوانين ( إدارة الأعمال ) وإنما يوجد في آيات الذكر الحكيم وفي هدي النبي - عليه الصلاة والسلام - ألا وهي ( البركة في الأرباح ) التي يحققها إخراج الزكاة وبذل الصدقة والعمل الخيري ، ويمحقها منع الزكاة والربا والغش والاحتكار . * وادي الدواسر - اللدام