ليس هناك ماهو أقسى من الموت ، نعرف أنه قدرنا ، وندرك أنه الحقيقة الصارخة في هذا الوجود ، ونعي أنه النهاية الحتمية التي تنتظرنا ، غير أن معادن الرجال ، وطبائعهم ، ورؤاهم تفرض الاختلاف في التعامل مع فكرة الموت ، والهاجس المضني الذي يتلبسهم باستمرار عند التأمل والتفكير في الوجود والمصير ، سواء كان هذا الموت ماديا بمعنى الموت الذي ينهي رحلتك الحياتية، ويضع حدا لطموحاتك ، وأهدافك ، وأحلامك . أو بمعنى الموت المعنوي الذي يغتال الإنسان من خلال النسيان الاجتماعي ، والحياتي، وانحسار دوره في التواصل مع الناس ، والتفاعل مع محفزات العيش ، والتأثير من خلال دوره مهما كان هذا الدور في المساهمة ببناء المجتمع ، وصناعة مساراته الثقافية ، والفكرية ، وتنمية إنسانه . كثير من الرجال الذين يتعاملون مع الموت بصورة مبهرة وأخاذة ، وهو يبرز فيها كحالة عبور من شأن إلى شأن آخر، يواجهونه بصلابة ، وشموخ استثنائيين، يتمتعون بصلابة الفروسية ، والمواجهات الشرسة والمصيرية ، رجال لم يتعودوا الهزائم ، ولا التخاذل ، ولا الجبن ، ولا التعايش مع الرعب ، والخوف ، والجبن . حتى في أشد أزمنة حياتهم قساوة، وقتامة ، وأوجاعاً ، تجدهم يمارسون الفرح كما لوكانوا يمتلكون الكون بكل مافيه من ألق السعادة ، وأنماط العيش المترف الباذخ الشهي . تداعت إلى ذهني هذه الصور ، وأنا أستعيد الشجاعة التي تعامل بها الفارس محمد الأحمد السديري مع الموت . والتحدي الخرافي الذي واجه به الاحتضار . كان الفارس على سرير الموت ، يحتضر ، يعرف أن الانتقال أصبح وشيكا ، يدرك أنه مهزوم بعبور لايريده ، فطلب من ابنه سلطان أن يأخذ ورقة وقلما ويكتب هذه الأبيات المؤثرة ، والشامخة في فعل التحدي والإيمان بنفسه ، ومكانته . " سلطان شفت الموت مرة ، ومرة والثالثة يامير كشّر بنابه مابيه ، لكنه بلاني بشره زود على خيله يجمع ركابه والله ، لو هو في صحاصيح بره نذر علي ، إني لأبين صوابه " هكذا تعامل الشجاع الفارس محمد الأحمد السديري مع الموت ، وقليل من يقوم بالمواجهة بهذا الأسلوب الأسطوري . غير أن الحياة يستحقها الشجعان ، ومن حرفتهم المغامرات ، وركوب أسنة الرماح . ومادام الحديث عن الشجاعة ، والموت ، والمغامرات التي تسهم في صياغة الإنسان وعيا ، وسلوكا ، وتشكل رجولته ، فإنا نتذكر قول " أبي ذؤيب الهذلي " وهو يعاني مأساته ، وتسكنه مرارتها . " وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لاتنفع والنفس راغبة ، إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع " حديث أرجو أن لايكون باعثا على التشاؤم ، والإحباط ، بقدر ما هو احتفاء بشجاعة الرجال في مواجهة مصائرهم ، وأقدارهم، ورفض خيباتهم .