وأخيرا وجدنا شخصاً جديداً بإمكاننا أن نحمله الذنب في كل شيء. انه ايلي يشاي. فبنيامين نتنياهو أراد بشدة تدمير كل شيء. وإيهود باراك ضغط بقوة لتحقيق هذا الهدف. وشمعون بيريس اثر بشكل كبير لتنتهي الأمور إلى ما انتهت إليه. غير أن وزير الداخلية يشاي هو وحده من قام بالفعل بالإجهاز على كل جهود السلام. لقد كنا على مشارف تحقيق تحول تاريخي. فبدء محادثات التقريب مع الفلسطينيين بدأت تلوح في الأفق. والسلام أصبح خلف الأبواب. كان الاحتلال على وشك أن ينتهي. غير أن رجل "شاس" الأرعن الذي لا يفهم شيئاً في الدبلوماسية ولا يدرك التوقيت الصحيح لإطلاق التصريحات قلب الطاولة على المحادثات وأحبط كل فرص السلام. ففي وسط حفلة العناق وتبادل الابتسامات مع نائب الرئيس الأمريكي، ظهر الشخص الشرير على المسرح وبدد الفرح. حينها تجمدت ابتسامة بايدن وغدت صداقتنا الحميمة مع الولاياتالمتحدة معرضة للتصدع. حتى حفل العشاء الذي أقامه رئيس الحكومة نتنياهو كاد أن يُلغى ومعه "العملية السياسية" كلها. كل ذلك بسبب يشاي. عطفاً على كل هذا فان وزير الداخلية يستحق منا شكراً متواضعاً. فالخطوة كانت كاملة. والتوقيت ملائم. فذلك الشخص الذي يلومه الجميع كان متألقاً. وكما هو معتاد فنحن بحاجة إلى يشاي (والى افيغدور ليبرمان أحياناً) ليكشف عن وجهنا الحقيقي، ويزيل القناع ويبدد الأكاذيب. شكراً ليشاي الذي كشف ذلك، شكراً لتمزيقه اللثام عن وجه المشاركين بالحفلة التنكرية الكبرى والمستمرة، تلك الحفلة التي لا يوجد فيها شخص يثق بالآخر. ماذا يريدون من يشاي ؟ إنه الرجل الذي عرف متى تنعقد اللجنة اللوائية، فقام بتأجيل جلساتها لأسبوع وأسبوعين. لماذا أقدم على هذا؟ حتى يحقق الخطوة التي اعتبرت انتصاراً إسرائيلياً كبيراً. فقد أعلن بعدها رئيس الحكومة نتنياهو علناً وأمام الولاياتالمتحدة أن تجميد البناء في المستوطنات لا يشمل القدس. فإذا كان هذا هو الحال فلماذا الشكوى من وزير الداخلية، الذي جسد هذه السياسة؟ ما حقيقة ما حصل حينها؟ ليس بالأمر المهم. إنه مجرد تصريحٍ أطلقه نتنياهو زفّ فيه خبر عزم حكومته بناء 1600 وحدة سكنية للمتطرفين في ارض مسلوبة. فالقدس لن تبقى مقسمة إلى الأبد. هذا ما وعد به نتنياهو حتى يفوز بهتاف الجماهير. وعليه فلماذا لا نواصل البناء ؟. الأمريكيون وافقوا على ذلك، لأنه يتوجب عليهم أن يخفوا شعورهم الإهانة. لا ينبغي للوزير يشاي أن يعتذر عن الإزعاج الذي تسبب به. بل يحق له التباهي. فهو الوجه الحقيقي للحكومة. ومن يدري فلربما بسببه تدرك الولاياتالمتحدة انه بدون الضغط على إسرائيل فلن يتغير أي شي. ماذا كنا سنفعل بدون يشاي ؟ فلولا كلامه لعاد بايدن إلى بلاده وهو يظن أن زيارته قد نجحت. وسيتباهى نتنياهو بعودة الدفء للعلاقات مع واشنطن. وبعد بضعة أسابيع ستنطلق "محادثات التقريب". وأوروبا كانت ستهتف. فأوباما رئيس الوعود الكبرى استطاع أن يجد وقتا رغم انشغاله بالشأن الداخلي ليقابل نتنياهو. وجورج ميتشل الذي حقق بعض النجاحات في جولاته الدبلوماسية بالمنطقة كان سيتنقل بين رام اللهوالقدس. وربما يلتقي بعباس وبنتنياهو مباشرة في نهاية الأمر. او لعل الأمور ستسير بشكل عفوي. في هذه الأثناء، ستستمر إسرائيل بلا شروط مسبقة بالبناء في الأراضي الفلسطينية. ليس فقط 1600 وحدة سكنيه بل ربما 16000. ويستمر الجيش في الاعتقال والإهانة والتجويع. كل هذا برعاية محادثات السلام. وبالطبع فستبقى القدس (موحدة) إلى الأبد. لن يكون هناك مجالٌ للحديث عن حق العودة أو عن حماس. وهيا بنا نتقدم نحو السلام! كانت الشهور ستنقضي والمفاوضات (تتقدم) وستلتقط الكثير من الصور. ستظهر بعض الأزمات الصغيرة في الطريق بسبب الفلسطينيين الذين "لا يريدون السلام" و "لا إقامة دولتهم". في النهاية، قد تتبلور خطة عمل مجدولة زمنياً. وبالطبع لن يلتزم بها احد. كل شي كان مفهوماً. لكن هذا الرجل الشرير – يشاي- جاء وأهدر كل شيء. ما حدث ليس لطيفاً ومع ذلك فلا بأس به. إن الزمن كفيل بمعالجة الجراح وإزالة العوائق. والأمريكيون سيصفحون بسرعة. لن يتبقى للفلسطينيين أي خيار. ومجدداً سيقف الجميع في مظهر احتفالي شرير. لكن المسيرة السلمية (ستتحرك) رغم كل ما فعله بنا يشاي-عدو السلام الوحيد لدينا! * صحيفة هآرتس