يخطئ الكثيرون حينما يتصورون أن الأفكار المتطرفة وما ينتج عنها من مواقف وأدبيات إنما هي حكر على بعض التوجهات الدينية والسياسية، إذ إن في كل مجال من مجالات الحياة متطرفون لديهم نزعة دائمة للتشدد، ورغبة جامحة للتصادم، وعداء ملحوظ للوسطية. والمجال الرياضي بعموميته ليس بمنأى عن التطرف، بل تكاد تكون الرياضة ورغم ما تمثله من قيم ومثاليات تدعو لها على الدوام تحت شعار (الروح الرياضية) أرضاً خصبة لانبات المتطرفين كما في ظاهرة (الهوليجانز) العالمية. والسؤال الذي أبحث عنه من المقدمة: هل في وسطنا الرياضي السعودي متطرفون؟ وللإجابة عليه بدقة، حتماً لا بد من تقديم دراسة توثيقية وتحليلية، كنهج علمي حتى لا تكون الأحكام انطباعية؛ لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية تقديم رؤية عامة للقضية، على الأقل بالوقوف على الواقع الراهن، حتى لو أدى ذلك للقفز على كل المراحل الماضية، وذلك بتسليط الضوء على الموسم الجاري الذي شهد تلاوين متعددة من المواقف المتشنجة البعيدة كل البعد عن مبدأ الوسطية، والتي تصب كلها في قناة التعصب من كافة مكونات الوسط الرياضي، سواء كانوا مسؤولي الأندية أو الإعلام وكذلك الجماهير. فثمة مسؤولون في أندية دخلوا في معارك عبثية معلنة أو مبطنة وصلوا من خلالها لمراحل متقدمة من التصعيد، ومازالت تلك المعارك مفتوحة على كل الاحتمالات، وتندر بما لا يحمد عقباه، خصوصاً وأنهم لم يتوانوا في توظيف نفوذهم الاجتماعي والمالي لإقصاء المختلفين معهم، ومما يزيد من سعار تلك المعارك وجود أناس نذروا انفسهم ليكونوا حطباً لها، فزادوا لهيبها اشتعالاً. وثمة إعلاميون متمصلحون وجدوا في تلك المعارك مصدر اقتيات لهم، فظهرت في وسطنا الإعلامي الرياضي اصطفافات جديدة لا تنبني كما في السابق على قاعدة الميول للأندية على الرغم من خطورتها، بل على قاعدة الولاءات للأشخاص لاسيما أصحاب النفوذ منهم، حتى وإن كان المتضرر من اصطفافاتهم تلك الأندية التي يدَّعون الميل لها، بل حتى وإن تضررت منها رياضة الوطن بشكل عام، وهو ما يجعل الوضع أكثر خطورة، وفي ظل ذلك تحول من يفترض أنهم حراس للكلمة إلى أبواق إعلامية، تنفث التعصب، وتستفرغ الكراهية، مزاحمة الأقلام التنويرية التي ما فتئت تحمل في جوفها الهم الوطني، والمؤلم أكثر أن من بين أولئك المتطرفين إعلامياً من ركب الموجة غباء، فصاروا أدوات في أيدي المتصلحين يحركونهم كيفما شاءوا. وثمة جمهور راح ضحية لبراءته حينما صدق بأن عاطفة الميول للأندية هي عاطفة سامية، تستحق أن يجند نفسه لها، وأن يذب عنها، وهي إشكالية ثقافية يعاني منها حتى من يفترض فيهم الوعي، وهو ما مكن المتطرفون من مسؤولي الأندية وحملة الأقلام لاستغلال هذا الفراغ الثقافي، لتعبئته بالأفكار المتطرفة والمواقف المتشنجة، من خلال العزف المتتالي على أوتار الولاء للنادي والشخوص، وهو ما يتمظهر بجلاء في اطروحات المنتديات الإلكترونية، وفي الهتافات التي تنبعث من المدرجات، والتي تحمل كل عناوين التطرف الرياضي. وعوداً على بدء، فإن ما سبق يؤكد على حتمية حاجتنا لوقفة جادة أمام واقعنا الرياضي الذي بدأ يتأزم بأفكار متطرفة باتت تهدد ساحتنا الرياضية بالانفجار إن عاجلاً أو آجلاً، حتى لا نندم حيث لن ينفع الندم.