لتأذنوا لي قرائي الأعزاء أن أدعوكم إلى الالتفاتة المبصرة إلى ما يجعل حياتنا مبهجة، سعيدة، ناضرة.. ومعيشتنا حلوة فرحة.. وسترون أن وراء كل ذلك وأسبابه هو الطفولة الجميلة البريئة، التي بحبها يغمر الحنان قلوبنا وتروي الطمأنينة أيامنا. أبناؤنا وأحفادنا زينة الحياة الدنيا. أولادنا وراء كل عمل وحبّ للحياة عندنا. .. نحدثهم فننسى كل شيء ونحن في محرابهم.. نلقاهم حين يأتون إلينا كباراً وصغاراً فكلنا عيون ناظرة.. وآذان سامعة، وقلوب لهم بالبقاء والسعادة داعية.. أبناؤنا.. هم أبناؤنا مهما كبروا وطال بهم العمر.. وبهم ولأولادهم أصير جداً.. وهم الأحفاد.. هم الأحباب. طويلة حكايات حب الأبناء والاحفاد ، جميلة كثيرة بالآلاف موقف الآباء والأجداد مع الأبناء والأحفاد. * * * إذا أردت الحب الحقيقي العميق فابحث عنه في قلوب الآباء والأجداد.. إذا كنت تريد أعظم دلائل الشعور بالفرحة والنشوة والمحبة فستجدها تفيض عليك من قلوب الآباء.. من أفئدة الأجداد. * * * أقول نحن الأجداد.. وهم الأحفاد.. وبصدق قوي وقاطع فإن الأحفاد.. قد يفيض حبهم ويفوق حب الأبناء؛ فالمثل الذي يقول: (ما أغلى من الولد إلا ولد الولد) مثل حقيقي صادق.. حفيدي.. حبيبي.. حفيدي.. ارتفاع أغصان شجرة حياتي.. حفيدي.. نضوج ثمار الغرس في أرضي وحدائقي.. * * * لست أنسى ذلك اليوم الذي بُشرتُ فيه بالمولود الأول لابنتي الحبيبة (أريج) (أحمد) وهو أول أحفادي قدوماً إلى دنياي - لقد كان هذا من أشد ما فرحت به نفسي - من أخبار سارة أو بشرى بنجاح، وهأنذا أراه في شرخ شبابه.. يفوقني طولاً، مع رجاحة فكر، وتفوق ذهني. أما الغالي كبير أولادي (أحمد) فقد كان قدوم بكره (محمد) التاج الذي علا رأسي فخراً واعتزازاً، ويتميز هذا الحفيد عندي بأنه تكرار للاسم الرباعي لي - وكأنه أنا، ومن فضل الله على هذا الحفيد أنه يتميز بالنجابة الخارقة، والنبوغ الحاد؛ مما يبشر بمستقبل باهر له بإذن الله. * * * وتستمر فرحتي مع قدوم كل حفيد.. فلما وصلوا إلى التسعة جمعت أولادي (بنين وبنات) وعبَّرت لهم صادقاً عن فرحتي بأبنائهم؛ وأني أريد المزيد منهم.. لذا فإنني رصدت جائزة كبيرة لمن يأتي بالحفيد العاشر أولاً.. وحين جاء الحفيد العاشر زرت أمه (أم بدر) زوجة ابني أسامة في المستشفى حين ولادة الابن الثاني لأسامة (سلطان)، وأعطيتها ما وعدت به من جائزة التفوق؛ لأثبت لها ولغيرها من الأولاد حبي للمزيد منهم، وقد أخبرتهم أني رصدت ضعف الجائزة الأولى لمن يكمل عدد العشرين. فهيا يا أحبابي تنافسوا لأرى من ينال هذه الجائزة المضاعفة. فليشكر ربع كل من أعطاه الله هذه النعمة الجميلة، أن يستمتع بها مثلي. * * * على أن المثير الأكبر لكل تلك المشاعر الآن هو إعادة وتكرار قراءتي لقصيدة (البلبل الغريب.. للشاعر المرموق.. والبلبل الحاضر الفريد أحمد سليمان الأحمد - الذي لقب نفسه ب (بدوي الجبل).. هذه القصيدة التي تقع في مئة واثني عشر بيتاً - كتبها وأهداها لحفيده محمد - وكان شاعرنا آنذاك في فيينا. فما الذي في هذه القصيدة؟.. القصيدة غير ما تعودنا سماعه وقراءته من جميع شعراء عصرنا الحاضر تبدأ بوهج.. وعذاب.. ولهيب في القلب متأجج: سلي الجمر هل غالى، وجُنَّ وعذّبا كفرتُ به حتى يشوقَ ويعذُبا ولا تحرميني جذوة بعد جذوة فما اخضلَّ هذا القلب حتى تلهبا * * * نعم. امتلأت مؤلفات الأدب العربي بالكثير الفريد من الرسائل الأبوية.. وازدانت أخبار الحياة بمواقف تطرح كل شيء جانباً إلا الحب والحنو والسعادة، وامتلاء القلب بالفرحة.. وطيران النفس بالرضا والمحبة للأولاد والأحفاد، إلا أن هذه القصيدة تفردت بالمعاني غير المسبوقة في تناولها للبنوة. * * * وأشهد أن الحنو المتناهي للأحفاد - الذي لا يماثله أو يقاربه حنو - هو حنو رسولنا الأعظم - وقدوتنا الأكبر محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - إذ ورد أنه كان يصلي ذات مرة - فلما سجد أطال السجود، حتى إذا ما انتهى سأله من صلى معهم: يا رسول الله: أطلت السجود - فقال: إن ابني هذا - الحسين - ارتحلني (أي صعد عليّ) وأنا ساجد فكرهت أن أعجله (ينزل بنفسه). وكان - صلى الله عليه وسلم - يحمل الحسن والحسن على ظهره الشريف.. وقال لهما ذات مرة (نِعم الجَملُ جملكما).. ما أعظمك يا رسول الله أباً.. جداً.. محباً.. مثالاً لا يتكرر في حقيقة النبوة.. وحب الأحفاد.. أعطيتنا نموذجاً فريداً خالداً في هذا المجال الإنساني النبيل فجاء على إثرك من كتبوا من الشعراء والكتاب مؤلفاتهم وقصائدهم في هذا الحب الصافي النقي الجميل. إن هذا التراث الضخم في هذا الموضوع الحيوي.. الإنساني الصادق حقاً لابد أن ينال شيئاً من الاهتمام والتقدير.. تناسباً مع ما يتناوله من صور لهذه الأبوة العظيمة.. وما يتصل بها من تعامل مع الأحفاد وسائر الأبناء حتى للآخرين من الناس والأصدقاء؛ ليكون ذلك كاشفاً للمشاعر الحانية التي لا تماثلها مشاعر أخرى في رقتها وعمقها. * * * وشاعرنا بدوي الجبل.. تحدث عن حفيده فغرد وأبدع.. مما لا يمكن استيعابه في هذا المقال لذا سوف يكون هناك مقال خاص.. إن الذي يؤكد تميز شاعرنا جَداً.. وخصوصيته أباً.. وتفرده إنساناً أنه دعا الله تعالى أن يسبغ رحمته على كل البلدان.. ويسعد كل الأوطان.. ويحميها من كل الشرور والحروب والعدوان.. لا لسبب سياسي، ولا لقصد عمراني.. لكن لأجل الطفولة. عظيم.. عظيم.. جميل.. نبيل منه هذا الشعور الكبير في قوله وحقيقته: ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها أفضْ بركات السلم شرقاً ومغربا وردّ الأذى عن كل شعب وإن يكن كفوراً، وأحببه وإن كان مذنبا وصن ضحكة الأطفال يا رب إنها إذا غردت في موحش الرمل أعشبا * * * ويجرنا هذا الشاعر العملاق بقصيدته التي استلبت المشاعر والأفهام لكل من قرأها بعملاق آخر كتب إلى ولده رسائل متنوعة، ذلكم هو شيخنا عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري (رحمه الله) في كتابه «رسائل إلى ولدي». * * * كتب (الأستاذ أحمد بن حسن المزاح) في رسالته الجامعية للماجستير بعنوان: (صوت الصحراء.. قراءة في مضامين وتقنيات رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري إلى ولده) نشرته وطبعته في كتاب «مكتبة العبيكان» عن هذا العمل التويجري الفريد قال المزاح: (ففي مكان واسطة العقد اللؤلؤي من رسائل الآباء إلى أولادهم يتألق - في نظري - هذا النص في مكان الجوهرة الأروع ليحكي بألقه المدهش - مع ما تقدمه وتلاه من إبداعات الشيخ - صوت الصحراء 0 بحمولته الثقافية الروحية، والوجدانية، والفكرية، والأخلاقية - التي تمتزج فيها مياه السماء الطاهرة المنقاه لتشكل بذلك نسيجاً فلسفياً، معيارياً، إنسانياً، متفرداً يمكنه - بحرارة - أن يحمل ويُجسد مسمى «فلسفة الصحراء»). إذ يُعبر كتاب شيخنا عن حنان والد لولده وعاطفة تملأ روحه لأحفاده صغارهم وكبارهم. * * * وأختم بالقول إن قصيدة بدوي الجبل موضوع الحديث جد أخاذة.. روحاً.. وقلباً.. وفناً شعرياً وما جاء فيها من قضايا كثيرة.. محورها حب الأبناء والأحفاد، والتغني بالوطن. ولكثرة ما جاء فيها من تناول جديد.. ومن فن شعري عظيم.. وأفكار في القضايا تجعله بها حقاً نادراً وفريداً سوف نتناولها تناول الظامئ إلى الارتواء من عين ماء ثرة في مقالات تالية.. * * * وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدَنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.