عند تأملنا في كثير من القضايا التي تكون المرأة طرفاً فيها بصفتها زوجة أو اختاً أو بنتاً أو غير ذلك ، يظهر دائما وبشكل واضح قلة وعيها بحقوقها التي كفلها الشرع الحنيف والتي سنها المنظم استمداداً من أحكام الشريعة ، ويرجع جهل المرأة بحقوقها القضائية لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها العادات والتقاليد المخالفة للشريعة ، والتي تقصي المرأة عن المطالبة بحقها وتجبرها أن تفرط فيه ، لما يغلب على ظنها بأن تلك العادات والتقاليد التي نشأت عليها واجبة ونافذة ومطاعة وإن خالفت الشريعة ، وأمثلة ذلك كثيرة كالذي تواجهه بعض النساء من تسلط أوليائها بالحرمان من الميراث ، و عدم إعطائها حقها المقدر شرعاً ، أو التحجير على المرأة في الزواج وأنها تترك لقريبها ولا تتزوج من غيره إلا إذا أذن ورضي ، أو عضلها من قبل وليها ومنعها من الزواج من الكفء الذي يتقدم لها ، وذلك كله نابع من الظلم والعدوان والجهل من قبل وليها ، ومن قبل النساء في جانب حماية حقوقهن الشرعية . ومن ضمن أسباب جهل المرأة بحقوقها القضائية تسلط الرجل وعزله للمرأة عن المجتمع ، عن طريق لجوئه للعنف والقسوة والتسلط على أهل بيته ، وجهل كثير من النساء لمن ترفع إليه بشكايتها لرفع الظلم عنها ، فتبقى بين مطرقة ذلك الرجل وسندان العادات والتقاليد التي لا أصل لها من الشريعة تطرق وتعنف في جوٍ من العزلة عن المجتمع ، تتأوه وتتألم ولا مغيث ، قال صلى الله عليه وسلم( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ). إن انعدام دور وسائل الإعلام وتقصيرها في التوعية العدلية للمجتمع كان من عوامل جهل المرأة بحقوقها التي كفلتها لها الشريعة والنظام . إضافة إلى خوفها من اللجوء للقضاء ورفع الشكاية ضد من يمارس سلب حقوقها ، أو من يقصيها عن حضانة أطفالها ،ومن يسقيها من أكواب الظلم ، خوفاً مما رسمه ظالمها من صورة مستقبلية في مخيلتها مشاهدها البارزة خسارتها وأنها لن تنال حقها و أن الظفر والتمكين له ، فيقودها خوفها من المستقبل إلى الرضا بواقعها ، إضافة إلى خوفها من تلك العادات التي جعلت دخول المرأة للمحكمة ولجوءها للقضاء من المعائب والنقائص ، وإن كانت تريد جمع شتات حقوقها الممزقة أو استعادتها ممن استولى عليها ، فالمحكمة ليست فقط مكانا للفصل في القضايا و إصدار الأحكام ، إنما هي أيضاً مكان آمن للإصلاح والتوجيه ، إذ هما من واجبات القاضي التي يضطلع بها شرعاً ونظاماً ، فلجوءها للقضاء وشكايتها ضد وليها القاسي في تعامله معها أو ظالم لها ، ليس مبناه العداوة والكراهية ، بل هو إرادة الإصلاح والسعي إلى التوجيه من قبل القضاء . * من كتيب ( حق المرأة في التقاضي ) من جمع وإعداد فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الصائغ