كثيراً ما كنت أشاهد في أيام الطفولة والبراءة السعيدة أفلام الكارتون وأرى الأطفال بسعادة يركبون الباص ويغنون ويهيصون، وسائق الباص بمثابة من استلم أولاده الحقيقيين، ومن الواجب تسليمهم للمدرسة ليتلقوا صباحاً جديداً من صباحات الطفولة وعند العودة أشكالهم وهيئاتهم مثل الصباح، لا طاقة مستنزفة، ولا شعر طائر في العلالي، ولكن عندما ركبت الباص، وتحديداً باص الجامعة، كان الحلم الطفو لي قد تبخر دون رجعة، فباصات الجامعة طبقاً لتعريف جامعية مجهولة: هي الباصات الأهلية أو الحكومية التي تقلك من وإلى الجامعة بمبلغ مجاني (الله يعينها) أو بدراهم (كل المكافأة) من المفترض ان يقدم بالمقابل ميزات خيالية، وعليك ان ترضين به لأنه الوسيلة الوحيدة لتوصيلك من وإلى الجامعة البعيدة دون إبداء أي تذمر، وإلاّ البيت يوسع جمل. فحكاية الباصات الأهلية تطول وتطول تستحق رواية وتستاهل كمان جائزة نوبل في الشكاوي، أبطالها جامعيات أو موظفات ورقالتها تماس وفوال في الليل، وسواق باص في النهار، تبدأ القصة قبل أذان الفجر عندما تتفاجأ بالجوال أصبح كالمجنون من المست كولات، من دون احترام لأهل البيت من نساء وأطفال، حتى يصبح البيت في حالة استنفار للبنت المسكينة، وتخرج مسرعة لتجد ان الباص لم يصل وكان هذا فقط تنبيه وحرق أعصاب، ليصل الباص أخيراً بعد ربع ساعة من الازعاج وعند الركوب تأخذ البنت من تجارب من سبقوها (لا تأكلين قبل ما تطلعين عشان ما يصيبك دوار الباصات، وشيلي ما خف حمله وغلا ثمنه لأن الباص مضغوط كعلبة التونة بثلاث عشرة بنتاً ثلاث على الشباك (ممنوع فتح الباب وأول لفة الله يصبرهم) والنحيفات يرص بعضهن بعضاً، ونسبة الاكسجين بونيت 24 تحت الصفر، وتبدأ الجولة الصباحية من الفرفرة في الأحياء والشوارع، طبعاً بعض الأحيان تكون درجة الحرارة 45 درجة فهرنهايت إذا كان الجو معتدلا في الصيف، وغير رائحة الدخان المزعجة (أراهن ان نص بنات الباصات يعانين من التدخين السلبي) حتى تنتهي الجولة السياحية ويمسك أبو الشباب الدركسون ويسرع لا الأرض ولا السماء والغرابة انه في بعض الأحيان أطالع من وراء أتمنى أشوف سيارة شرطة تلحقنا وتعطي راعي الباص مخالفة على السرعة، ولكن لا حس ولا خبر، وإذا طلبت منه تخفيف السرعة يزيد، يعني انطمي. وللمعلومية فإن الكثير من بنات الباصات يتعرضن لحوادث مختلفة من الرضات البسيطة إلى قضايا التحرش وتفاجأ بالبنت ترجع للباص نفسه ولنفس السائق؟؟ فأي بنت ستصل الجامعة بنفس مفتوحة، هل من المفروض ان تقابل زميلاتها بابتسامة مشرقة، أم تذهب مسرعة وتشاهد نفسها في المرآة لتتأكد من سلامتها وأنها بخير، أم من المفروض ان تركز في المحاضرات، وسواق الباص يدق عليها قبل بداية المحاضرة الأخيرة، ما الذي نرتجيه من عمالة لا تهمهم ثقافة البلد الذي هم قادمون إليه وأي شيء نطلبه منهم إذا عرفنا أنهم تعلموا ثقافة الاستهتار من كفلائهم، الذين يقررون شراء كم باص لا يصلح حتى لنقل عمالة مخالفة، ونقل البنات عليه كدخل إضافي بعد التقاعد، ويريح باله وهو جالس بالبيت، وإذا قررت التفاهم معه تفاجأ بأن ليس عنده مجرد أدنى معرفة ان شركته توسعت وأصبح عنده هذا العدد من الباصات؟ أنا لا أبالغ ولا اتدلع ولكن هذا غيض من فيض مما يحدث من غالبية هذه الشركات، وملخص لغالبية ما أراه أو اسمعه من غالبية البنات، ومرارة تجربة أتمنى ان تنتهي بتخرجي من الجامعة، وان تجربوا أيضاً ركوب هذه الباصات لمن لم يحالفه الحظ ويركبها من قبل. اطرحوا أنتم الحلول وناقشوها وادخلوها الأدراج وأخرجوها بدل المرة مليون، فنحن بانتظار من ينفر نفرة المعتصم عندما أجاب صراخ المرأة والباصات.