أمير الشرقية يطّلع على تقريري هيئة التطوير وصحة المنطقة    أكدت أن الرياض أعلى المناطق.. "السياحة": 32 % نمواً في تراخيص خدمات السفر والسياحة بالمملكة    السعودية تتقدم 17 % في مؤشر الملكية الفكرية الدولي    إسرائيل تكرر سيناريو الضفة..(البلاد) تدق ناقوس الخطر.. غزة تحت سكين الاحتلال.. تقسيمٌ واستيطان    ناقشا المستجدات الإقليمية والدولية.. الخريجي والسلمي يبحثان مع مسؤول فرنسي تعزيز العلاقات    نيابةً عن سمو ولي العهد.. وزير الرياضة يتوج "أوسكار" بجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا1    إعلاميون رياضيون ل"البلاد": النصر الأقرب للتتويج بالنخبة الآسيوية    في انطلاق الجولة ال 29 من دوري روشن.. الاتحاد يستضيف الاتفاق.. وديربي يجمع الهلال والشباب    مجتبى إلى القفص الذهبي    هتان أول سعودي يدخل جهة عمله موسوعة غينيس    مصعب النذير يحتفي بزفاف ابنته إلى محمد    معرض نوال يحاكي التراث المحلي والاجتماعي في الليث    تكريم الفنان إبراهيم الحساوي في مهرجان أفلام السعودية    شارع الأعشى (1 – 2)    حرس الحدود بالشرقية ينقذ طفلًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الذهب سجل أفضل بداية سنوية منذ السبعينيات    ظهور نادر للفهد أماياس    التفاخر بالتبذير وتصوير الولائم    272 ألف مستفيد في مدينة الملك سلمان الطبية    الأخضر يخسر النهائي القاري    المسعد نائب لرئيس الاتحاد العربي    المنتخبات السعودية للفئات السنية.. أرقام متفردة بين كبار آسيا وحضور منتظر في المونديال    مدرب تشيلسي: حققنا أصعب فوز في الموسم    القادسية ثالثًا في بطولة الشرقية للسباحة ب52 ميدالية    أمير الرياض يضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية ب500 مليون ريال    سعود بن بندر يبحث تأهيل الأحياء التاريخية في الشرقية    مستقبل الوفاق    براري الشمالية تستهوي «البلشون الذهبي»    طفايات الحريق بالمنازل.. ضرورة    تأهيل القيادات الكشفية    السماء تبتسم للأرض 25 أبريل    Apple تحذر من ثغرتين    غياب الأمان في نموذج Google الاصطناعي    وكيل "البيئة" يتفقد مشروعات محافظة الليث    فرحة خضراء بجنيف.. هكذا أبدع السعوديون في سويسرا    «سماء العلا».. مناطيد مضيئة    صناعة الخوص    جمعية وعي البيئية بالقصيم تحتفل بزراعة 10 آلاف شجرة    موقعك من هذا الإنجاز    فعالية اليوم العالمي للمختبرات الطبية بجامعة شقراء    رئيس "صحي القصيم" يشهد فعاليات مؤتمر القصيم الأول لطب الطوارئ    5 مراحل لمرض القدم السكرية    إعادة النظر في حرارة الجسم الطبيعية    «البلسم» تنجح في إجراء 83 عملية في 5 أيام في سوريا    أسواق العالم تترقب مؤشرات النمو والسياسة النقدية    1787 بلاغا لوزارة التجارة يوميا    استراتيجيات المرجفين بالوطن والمواطنين    خدمات رقمية لديوان المظالم عبر توكلنا    "الرياض" ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    جلسة حوارية في (إثراء) تبحث فرص الابتعاث الثقافي في قطاع السينما    من أعلام جازان.. الشيخ عيسى بن محمد شماخي    تخريج الدفعة ال 22 من جامعة الملك سعود للعلوم الصحية    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية    المرأة والأوقاف.. تأثيرٌ في خدمة المجتمع    هلال المدينة يكرم المتطوعين    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    









سعدي يوسف ويومياته الرعوية
نشر في الرياض يوم 04 - 02 - 2010

يكاد سعدي يوسف بين الشعراء العرب، ومن أجيال مختلفة، أن يكون الشاعر الأكثر غزارة في انتاجه المتأخر. وينفرد بميزة القصيدة الواحدة التي يعيد مشهد الطبيعة الأوروبية كتابتها. قصيدة رعوية مفرداتها الشجر والطير والحيوان، يعلن الشاعر عبرها عن فرحه واحتفائه بتراسل الكون، وفي ذبذبات الإحساس بالحياة. فنسغ الزروع الذي يحاوره ويداوره، يشبه غبطة الشيخوخة بإشراقة حب جسدي يومض بين الرماد. وهكذا يصبح بمقدوره أن يسجل انتصاره صحبة امرأة يذكر اسمها، بل يقدم صورتها إلى القارئ كي يكون خلف بابه الموارب. ملذات التمتع بالنبيذ الذي يعشق، وغبش الصباح المطير، ودعسات القدم على أوراق العشب. هِبْات الشيخوخة الرحيمة التي يدرك الشاعر انها استئناف ليوم آخر.
في مجموعتين اصدرهما عن دار الجمل مؤخرا "في البراري حيث البرق"
و"الديوان الإيطالي"، يمكن ان نلحظ التواريخ التي تسجل له قصيدة أو قصيدتين كل يوم، وفي أحسن الأحوال أربع قصائد كل شهر، وهي نصوص ليوميات يدون فيها مرئياته وانطباعاته في أماكن خارج المدن، حيث الغابات ودروب القرى والمرتفعات والوديان.
ولكن الشاعر لا يرى في جمال الطبيعة ذلك التسامي الذي يمنحه جلال وفخامة وجودها الأبدي، اي غائيتها التي تحيل إلى مضمرات عقلية، كما عند الرومانسيين الانكليز مثلا، بل يرى فيها الانسجام الذي يعثر عبره على حسية التواصل في كينونة وجوده بين مكانين، عالم رحل عنه وآخر يهرب إليه ويغترب عنه:
"كيف لي أن أفوز بشبر من الأرض/ أمضي به، والغزالة، حتى النهايات؟ / حتى أرى البحرَ أصفرَ/ والسعف أزرق/ والشمس خضراء../ كيف السبيلُ إلى ذلك الشِّبْرِ؟ / حيث الغناء الذي يترنّحُ/ والطيرُ/ حيث الصلاصلُ موج،/ وحيث الفضاء النشيد..".
تذهب هذه القصيدة وعنوانها "مبحث المكان" الى ما كتب سعدي في سبعينات القرن المنصرم: الجملة الاسمية المقتصدة، والتاخير والتقديم وأدوات الربط في لغته التي قلدّها من اتبعوه. ولن يكون لهذا المأرب من مهرب سوى الإحالة إلى زمان التمني كيف لي وهو يرتبط بالماضي. وكي يسمي الأشياء باسمائها، يكتب في قصيدته" عند بحيرة الأنهار الثلاثة"
"من أعلى البحيرة / مر سرب من الوَزِّ العراقي، / اشرأبت له الأعناق. / كان الوزُّ يمضي سريعا، يطلق الصيحات،/ عنقا يكاد يطول عُنقين../ السماء التي انفتحت تقول له: إلى اين تمضي؟ / هل مقاصدك الجنوب الذي تدري.../ أم الأمل الشمال؟" .
الاسئلة عند سعدي يوسف تحيل الى اسئلة تشبهها، حتى تنبثق من لحظة الشك يقينيات هي أقرب إلى بداهات، فما يحاول ان يبقيه في شعره هو بنية الحوار، الاقتراب من النثر بما تشترطه التفعيلة من رابط يشد نصه. ولكنه وهو الناقم على قصيدة النثر، يكتب نصا نثريا في الديوان الايطالي يستكمل قصيدته (Costa) يقول فيه:
"ما حدث في ما يسمى" قصيدة النثر العربية" كان على الضد مما اقترحه بودلير المؤسس، لا جهلا بما اقترحه الرجل، لكن خوفاً من التبعات، لأن المتنفذين في (قصيدة النثر العربية) هم صحافيون محترفون، في صحافة محترفة، أي فاسدة". وتلك الانعطافة الغرائبية في قصيدته، تبدو وكأنها تمثل لحظة سوداوية في مزاجه الشعري، ولكنها لحظة تدرك أن القول الشعري في تداعيه، يقود إلى قصيدة تنزع عنها قيودها، وهذا ما حاوله في مجموعة من القصائد في هذا الديوان، والمقاطع النثرية او التقريرية جاءت في الغالب اضافات او اضاءات وشروحا للقصائد ذاتها، فهو هنا يمزج النثر بالشعر او يسوق التقرير الى القصيدة، فهل حاول سعدي يوسف ما حاول بودلير في "سأم باريس" مثلا كي تستقيم قصيدة النثر التي ضلت دربها، كما يعتقد، أو أن تلك الانعطافة المفاجئة لقصيدته هي استكمال لشعر يكاد يتحول إلى تدوين يوميات نثرية حتى ولو لم يختلف مشهدها؟
الكتابة عند سعدي يوسف رائد الانتقالة الشعرية بعد السياب، كما تبدو في دواوينه الأخيرة، فعل وجود وكينونة لا بد من تحققها كي يستمر في العيش، فسعدي كما نظن، حالة شعرية ينبغي أن تدرس خارج فضاء المصطلح الشعري، وهو فضاء يتحول الى اسقاطات متخيلة او متوهمة في أفضل حالاتها. أنه يقف عاريا أمام قارئه، وهو يمتح من ذاكرة قصائده القديمة، من مفرداتها وصورها، بيد أن الذي اختلف لديه مناسبة القول، حيث القصيدة تنتظر الشاعر في منعطف كل الدروب التي يمر بها. فالكون كله لحظة شعرية يخاف ان تفلت من ناظريه: "اقول التقيت فلاحا!"
"لِمَ لا تتعلم من الفلاح الإيطالي ؟ / أليس هو حليفك في الثورة التي طال ما أسرفت في الكلام والكتابة عنها؟" تدخل السرديات في "الديوان الايطالي" على بعض قصائده، متخلية عن كل شروط الشعر، بما فيها اشتراطاته لقصيدة النثر في مفهومها العربي والغربي: "البارحة انضمت سيلفانا إلينا قادمة مع فوزي من ميلانو. اكتمل الشمل. آخر مرة رأيت فيها سيلفانا، كانت أوائل التسعينيات، بدمشق. كانت تزور مع فوزي العاصمة السورية للمرة الأولى. وقد أحبت دمشق."
دفاتر سعدي الشعرية الأخيرة، هي تدوين لحياته لحظة ما يشاء، وتكون ساعات الفجر والغروب هي ساعاته المنتظرة، فالشعور المتمركز حول صورة الإنبثاق والأفول تشغل مروياته، مثلما يشغلها التعبير الشخصي عن احتفائه بالسفر الى جهات العالم. مسرح قصيدة الحاضر لا يحتاج إلى ديكورات وممثلين، فالشاعر وحده يقف على خشبة يرفع صوته وينزله من علياء المكابرة:
في هذا الأحد المُبْتَلِّ ككلب الراعي اشتقتُ إلى بلدي/ أنا منذ الصباح أقول: اشتقتُ إلى بلدي/ وهن العظمُ/ ورأسي مشتعلٌ شيباً... / في هذا الأحد المقرور اشتقتُ إلى بلدي/ أمضيت صباحي في الساحة والمقهى/ غمغمتُ على ضفة النهر الجبليّ صلاة متأخرة/ لكني أرتعشُ/ البرد تغلغل كالإبر الثلجية في الدم..
دائما يراهن سعدي على بساطة تباغت قارئه، ويسحره بتلك اللقى النادرة التي يصادفها الشاعر في دروب الحياة لا خارجها، ولكنه وهو يغذ السير في هذه الدروب يجد نفسه في منعطف لا بد من بلوغه، فهل حاول في ديوانه الجديد هذا؟ ربما قصائده التي سينشرها قريبا، تجيب هذا السؤال.
سعدي يوسف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.