لا تزال قصص عضل وهجران وطلاق ونفقة المرأة في مجتمعنا تشهد فصولاً مأساوية، وصل كثير منها إلى حد الظلم والتعدي على كرامة ومشاعر المرأة، لسبب بسيط جداً وهي أن عقلية بعض الرجال لا تزال تنظر إلى المرأة على أنها «الجدار القصير» و«العنصر الأضعف» في المجتمع، دون أن يدركوا قيمتها الحقيقية، وأنها «روح المجتمع» وقلبه النابض.. «الرياض» تتناول في حلقتين الثقافة العدلية تجاه قضايا الأحوال الشخصية، وأهمها: الطلاق، الحضانة، النفقة، من خلال استعراض آراء عدد من المختصين، إلى جانب وصف واقع المرأة في المحاكم، والاستشهاد بالحلول والمقترحات لتطوير قواعد وإجراءات التقاضي بأحكام الأحوال الشخصية؛ بدلاً من سرد القصص المؤلمة التي لم تعد خافية على أحد.. نظام الأحوال الشخصية بداية أوضح أحمد إبراهيم المحيميد محام ومستشار قانوني وعضو برنامج الأمان الأسري مفهوم نظام الأحوال الشخصية، وقال: هو "صياغة الأحكام الشرعية الإسلامية المتعلقة بالأسرة، وذلك ضمن إطار نظامي ومقنن وحديث ومتوافق مع روح الشريعة الإسلامية في مضامين الأحكام؛ وأخذاً بالراجح منها في المذاهب الإسلامية الصحيحة؛ ووفقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية"، مشيراً إلى أن الأخذ بمبدأ صياغة بعض أحكام الشريعة على شكل مواد قانونية لها مردود إيجابي على الواقع العملي؛ من حيث التأكد من سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ورفد القضاء بمواد قانونية تغني عن البحث في كتب الفقه. بينما يشير سامي عبد الرحمن التميمي إلى النوع الثاني من هذه الأحكام، وهي أحكام المعاملات التي تحكم علاقة الفرد بغيره من الأفراد، مؤكداً على أن أحكام هذا النوع جاءت بقواعد عامة مجملة ومبادئ كلية من غير تعرض لتفصيلات أو جزئيات، حيث إن مصالح الناس وعلاقاتهم تتغير بتغير حاجياتهم وبتغير الزمان والمكان، ولذلك اكتفت الشريعة الإسلامية بتحديد الإطار الخارجي لهذه العلاقات وتركت التفصيلات والجزئيات لينظمها الأفراد حسب زمانهم ومكانهم شريطة أن لا تتعارض أو تخرج عن نطاق هذا الإطار المحدد. الطلاق والنفقة والحضانة وقدم التميمي ثلاثة نماذج لهذه الأحكام، وهي: الطلاق والنفقة والحضانة، وقال: إن الطلاق وهو -أبغض الحلال عند الله- شُرع في حال عدم التوافق واستحالة العشرة بين الزوجين، وحين يكون الطلاق بيد الزوج لايعني أن يعضلها فيذرها كالمعلقة، فهو ظلم للمرأة، لأن في ذلك ضرر قد وقع عليها، لكن المشكلة هي في الإثبات؛ إذ كيف تثبت المرأة أن ضرراً قد وقع عليها إذا تحايل الزوج وتعنت وأدلى بغير الحقيقة حتى لا تحصل الزوجة على الطلاق، ومن هنا تلجأ المرأة إلى طلب الخلع وقد تواجه باعتراض من الزوج أو أن يثار نزاع حول قيمة الصداق الذي يجب أن ترده للزوج، وربما طلب الزوج مبلغاً أكبر من المبلغ المثبت في صك الزواج، أما النفقة فهي واجبة على الزوج في كل الأحوال حتى مع يسار الزوجة، فالرجال قوامون على النساء بما أنفقوا، وإذا لم يتم التراضي على مبلغ النفقة فإن القضاء يختص بالحكم بها وتقديرها وفي الغالب يخفي الزوج كثيراً من سعته المادية لأن النفقة تقدر بقدر يسار الزوج فتخرج النفقات قليلة ضئيلة، ثم تأتي بعد ذلك مشاكل التنفيذ التي لا تقوى المرأة على متابعتها خاصة إذا كان لديها أولاد سوف يتأثر مستواهم بسبب تعنت الأب. وأضاف أن الحضانة قد نظمها الشرع وحدد الحالات التي يحق لأحد الزوجين أن تكون في جانبه؛ ومتى تنتهي ومتى تسحب من الحاضن إذا فقد شرطاً من شروطها، وما يترتب على استئثار أحدهما بالحضانة ومنع الطرف الآخر من رؤية الأولاد أو الإشراف وتقديم الخدمات لهم، كذلك إذا حكم لأحدهما بحق الرؤية واستحكم الخلاف بينهما أن تنفذ الرؤية في أماكن لا يجب أن يذهب الأطفال إليها كمراكز الشرطة وما شابه ذلك من أماكن قد تؤثر على الصحة النفسية للأطفال، ومدى مرارة الأم إذا كان أولادها لدى زوجة الأب...". معاناة واقعية وقالت مسؤولة مطلعة على قضايا المرأة في المحاكم -رفضت ذكر اسمها- "إن المرأة تلجأ للمحكمة بعد معاناة طويلة من اضطهاد الزوج، وربما اسرتها أيضاً، وحين تصل إلى المحكمة -جهلاً بالإجراءات- تبحث عن القاضي طالبة منه حمايتها وعدم العودة إلى ذويها، دون أن تعرف أن دور المحكمة البت في القضايا وليس الإيواء، وحين تبحث عن دار الإيواء تكتشف أن هناك وقتاً محددا للدوام وهي لا تحمل أي إثبات أو طلب من المحكمة بإيوائها وتدخل في دائرة أخرى من المعاناة، ويبقى السؤال: لماذا لا يكون هناك مكتب تابع للجهة المعنية بالتنسيق مع أمن المحكمة يوجه الحالات المستعجلة خلال دوام المحكمة فقط، وذلك بدلاً من وقوفها بعد انتهاء دوام المحكمة وقفل أبوابها لا تعرف أين تذهب؟. صك الهجران! وأضافت: إن كثيرا من النساء اليوم يعانين من هجران أزواجهن بلا سبب، وقد يمتد انقطاعهم سنوات طويلة، وربما يكون تواجدهم في مدينة وهن في مدينة أخرى، مما يضطرهن إلى التوجه إلى المحكمة لإثبات الحالة، واستخراج "صك الهجران"، لمساعدتهن على إنهاء إجراءات الخلع، وتقرير النفقة، وإثبات الحضانة، مشيرة إلى أن "صك الهجران" سلاح ذو حدين، فمن ناحية هو سبب قوي في النهاية إلى طلب الطلاق وازدياد عدد المطلقات، ومن ناحية أخرى لا تحصل عليه المرأة إلا بعد أن تقيم دعوة النفقة، ويستمر استخراج الصك فترة طويلة، ويبقى السؤال: لماذا لا يكون هناك قانون يمنع زواج الرجل بأخرى إن لم يكن مقتدراً على توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لأبنائه، وأنا أقول أبسطها؛ فإني لا أطلب الكمال ولا أحرم ما أحل الله، فالله سبحانه وتعالى أحل للرجل مثنى وثلاث ورباع، ولكن اشترطها بالعدل، وما نسمعه في مجتمعنا وأروقة محاكمنا بهذا الشأن أبعد ما يكون عن العدل، فأقل الإيمان أن يثبت ممن أراد الزواج بالثانية لدى "مأذون النكاح" بقدرته على فتح منزل آخر، وإن طلق فلقد اتبع أبغض الحلال في حالة استحالة استمرار زواجه الأول ولا أحد يستطيع إجباره عليه، والله سبحانه كفل له هذا الحق لكن تحسم (مسألة الإنفاق والحضانة في وقت واحد مع صك الطلاق)، ويراجع المحكمة في ذلك من أولها، وبذلك نختصر طابوراً من النساء اللاتي يطالبن ب"صك الهجران" والنفقة والطلاق (كل دعوى بعد أخرى سنين طويلة) حتى يستطعن إعالة أبنائهن من الضمان أو المؤسسات الخيرية التي تطالب بصك الإعالة ولكي تحصل على صك الهجران لا بد من رفع دعوى النفقة، وبعد ذلك تحصل عليه، وإننا بهذه الطريقة نقلص من سنين الضياع والقصص المحزنة التي تمر على ضحايا هجران الآباء الشامل مادياً ومعنوياً، فالتي تجلس مع أبنائها بدون مساعدة مدة عشر سنوات ليست كالتي لم تمض سنة بدون مساعدة، وأن نخرج مراهقاً متفائلا بالحياة خير من أن نخرج عشرات بل مئات المراهقين الذين تحتضنهم أيادي الفقر والعوز والفكر الضال من رحم الهجران.. بغض النظر عن تنوع القضايا .. وقالت: أن تأتي إحداهن لأجل فسخ النكاح أو الطلاق لمدة تزيد عن ثلاث سنوات ليس هو المستغرب، ولكن الغريب أن طيلة هذه الفترة تحضر المرأة والخصم لم يحضر بتاتاً ليبقى السؤال معلقاً: مالذي تفعله المرأة في كل جلسة في غياب مايسمى ب "الخصم" ولا يزال الحكم معلقاً حتى حضور الخصم؟ .. لماذا لا تعفى المرأة من عناء الحضور غير المجدي لاسيما أن هناك من تعاني مادياً أو صحياً؟، ناهيك عن مشكلة المواصلات والاستئذان من العمل، مشيرة من ناحية أخرى إلى مسألة الشهود.. فالجميع يعلم صعوبة أن تجمع الشهود ويتركوا أعمالهم للحضور معك وصعوبة الاستئذان من العمل من وقت لآخر لكن الأصعب أن لا تجد القاضي في نفس اليوم واليوم الآخر، وإن كان القاضي بشر مثل بقية البشر فله ظروفه .... يبقى السؤال لماذا لا يتم تبليغ أصحاب الحالات بتأجيل الموعد مع الشيخ من خلال نظام الحاسوب وإرسال رسالة إلى الجوال قبل حضور الموعد ولو بساعات؟ .. و يوفر للمرأة مكاناً للتصوير بدل أن تقطع الشوارع ذهاباً وإياباً بحثاً عن ذلك .. أين إصلاح ذات البين؟ وتتابع بحماس شديد " كذلك هناك زوجات وأطفال بين أيدي آباء أو حتى أمهات مهددة حياتهم لمرضهم النفسي أو تعاطيهم ولدى الطرف المدعي ما يثبت ذلك؛ فحتى يبت في القضية والقضايا تأخذ وقتها وهذا أمر طبيعي، لماذا لا يوجه أمر عاجل بحماية الطفل إلى ان يتم التأكد من عدم وجود خطر على حياته وصحته بعيداً عن كلا الطرفين ولا ينتظر إلى ان تنتهي إجراءات القضية، مطالبة الجهات المعنية تفعيل دورها سريعاً حتى لا يتكرر ما حدث من إزهاق لأرواح بعض الأطفال التي طالعتنا بها الصحف وتبين لنا فيما بعد أن هناك شكوى وتحذيراً من أم أو جدة أن طفلها أو حفيدها في خطر فأهمل الإجراء أو أهمل حتى فات الأوان ...وهناك من تأتي وحالتها النفسية سيئة للغاية لا تسمح لها حتى بأن تكتب عريضتها أو تستحي أن ترويها للموظف الذي سيسلمها عريضة الدعوى وبعضهن لا تعرف الكتابة أصلاً.. فالسؤال: لماذا لا يكون هناك نساء بدلاً من الرجال لكتابة حاجات النساء والسماع منهن ومساعدتهن في ترتيب ملف قضيتها قبل ذهابها للشيخ ؟؟.. حيث إن كثيراً من النساء يجهلن حقوقهن الاجتماعية والسلوكيات الزوجية التي من شأنها المضي في سفينة العائلة إلى بر الأمان أثناء سير المحاكمة، فلعلها تنجز قبل وصولها إلى حكم القاضي وتصفى النفوس.. فأين دور إصلاح ذات البين النسائي؟، لاسيما أن لدينا داعيات يشار لهن بالبنان من خريجات الدراسات الإسلامية والشريعة ممن يؤمل عليهن الإصلاح إن لم يكن هناك بأس على حياة المرأة وحياة أطفالها... كما أرى من الضروري الارتباط بين الجهات ذات العلاقة من خلال برنامج يطرح لأهل الاختصاص يرتبط بشبكة واتصال إداري تحول من خلاله بعض المعاملات الرسمية فنحن نعيش في عصر جنون التكنولوجيا وإيقاع العصر (تقني) متسارع ولا زلنا نسير كالسلحفاة رغم جهود الدولة المشهود لها مواكبة التطور، فمثلاً بعض الخطابات التي تعطى للرجل أو للمرأة لتذهب به إلى الشرطة ثم تعود إلى المحكمة في موعد آخر وثان وثالث.. لماذا لا يوجه الخطاب مباشرة من المحكمة إلى قسم الشرطة أوالإمارة أو أي جهة أخرى بشكل رسمي.. حتى لا تكون هناك مماطلة أومواجهة بين الخصمين أو تكذيب ولا تتعذب المرأة ذهاباً وإياباً وفي حال طلب الجمعيات الخيرية أو الضمان الصكوك لماذا لا ترسل بيانات وأسماء من تريد لهم صكوك على قوائمها لتحصل على الرد قبل إرسال المواطن فكثيراً ما تأتي إحداهن إلى المحكمة لتعود أدراجها لعدم وجود توقيع الجمعية على خطابها سهوا أو أن الشيخ لم يقبل إصدار صك لها حسب النظام ويبقى السؤال هنا: متى يفعل دور الحكومة الالكترونية في محاكمنا ؟!.