إيران (عداء الله ورسوله يصبح جزءاً من قوانين التعامل مع الأزمة سياسيا)...! هكذا هي الدول الثيوقراطية والأيديولوجيات المتطرفة عندما تصل إلى ذروتها وتعجز عن فرض قوانين العدالة ومحاسبة ذاتها تلجا إلى توظيف أقدس أفكارها وأقدس معاييرها لتحاسب من يعترض عليها، وكذلك هي كل جماعات التشدد والتطرف الصحوية منها والنائمة. هذه النتيجة وصلت إليها قيادات طهران المعممة كما تعرفت إليها كل الجماعات الإسلامية المتطرفة عبر التاريخ بل إن هذا المفهوم يمكن أن يجده الباحث في كثير من مراحل التاريخ الإسلامي حيث يتم توظيف المقدسات لفظيا وعمليا في تصفية المقاومة ومن هناك بدأت الإساءة إلى أقدس القيم الإسلامية وأعمقها في النفس المسلمة. كل الأيديولوجيات ذات الأبعاد الثيوقراطية بشكل خاص سواء كانت جماعة أو تنظيما مهما تنوع شكل هذا التنظيم، أو اختلف لونه أو طعمه أو رائحته، أو وصل إلى السلطة أو تواصل أو اختفى خلف سلطة بعينها: النتيجة واحدة هي استخدام أقدس المفاهيم الدينية للحرب على البشر لمجرد أنهم يعترضون على فكرة أو مفهوم لا يتناسب مع المتسلطين..!. إذا كنا نبحث عن سبب الإرهاب واستمتنا فكريا في محاولة تفسير أسبابه والإساءة إلى الإسلام، فلا يجب أن نذهب بعيدا عن سببه الرئيس لنكتشف هذه الأزمة، كل الجماعات التي تبنت الأيديولوجيات الفكرية ذات العلاقة بالأديان أسأت للإسلام لأنها استخدمت ارقى مفاهيمه وأعظم قيمه وأفكاره لمحاربة غيرها. كل الذين حكموا البشر باسم الإسلام واستخدموا هذه المفاهيم (عداء الله ورسوله) وكل الجماعات المتطرفة والمتشددة والإرهابية التي استخدمت هذه المفاهيم هي سبب الأزمة والإساءة إلى الإسلام، فعبر التاريخ ذهب الكثير من البشر وزالت الكثير من الدول لأن هناك من أراد أن يزيلها تحت مظلة أنها (عدو لله ورسوله) بينما لم يكن من بين أعداء الله من يطالب بحقوق أو يسعى إلى مصلحة وطنية أو عالمية. سؤال مهم موجه لما يحدث في إيران وللتاريخ الذي نهج نفس المسيرة وما يفكر به كل فرد وكل مجموعة تريد أن تتخلص من خصومها، ولكني سوف لن اذهب بعيدا فالبداية التي أحمل وثائقها الآن ابتدأت من العام 1928 م، لنعيد السؤال الذي لم يجرؤ على إجابته احد: من هو عدو الله ورسوله ومن يحدده ..؟ جاء في الباب الثاني من نظام إحدى الجماعات الإسلامية الشهيرة وأعرقها هذه العبارة "إعداد الأمة إعدادا جهاديا لتقف جبهة واحده في وجه الغزاة المتسلطين من أعداء الله تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة". هذه الجماعة تعيش في عالمنا الإسلامي ولها فروع في أنحاء العالم وهي مسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن كثير من الأزمات الفكرية التي اجتاحت العالم الإسلامي خلال الثمانيين سنة الماضية. البشر ليس من حقهم أن يحددوا من هو عدو الله ورسوله من تلقاء أنفسهم في سبيل تصفية الحسابات أو تحقيق المشروعات السياسية وإقامة الدول على منهجيتهم أو إقامة المسارات الفكرية ، هنا تكمن الأزمة المخيفة والتي لا نريد سماعها أو الحديث عنها، في القرآن العظيم ليس من المسلمين من هو عدو لله أو لرسوله عليه السلام مادام يؤمن بالله. في إيران كمثال واضح اليوم والتي تعلن للعالم اجمع أن يستعد لمواجهة أزمة اختلالها من الداخل وتعلن أنها قد تصدر بيانات نعيها ليس بعيدا من نهاية هذا العام إيران دولة إسلامية يمكن أن تضيف قوة في الصف الإسلامي لو استطاعت أن تتجاوز تلك الأفكار الغابرة والقادمة من سراديب الفكر المنتهي، العالم يكن كل احترام للأفكار الدينية في سياق تطبيقاتها الشعبية والمجتمعية ويحترم اختلافاتها وتنوعها دون ضرر ولكن عندما تتحول هذه المفاهيم إلى مساس في تكوين الإسلام فلن يسمح المسلمون بذلك. لن يسمح المسلمون بان يحدد السياسي في إيران أو غيرها علاقته بالإصلاحيين عبر وصمهم بأنهم (أعداء الله ورسوله) عدو الله ورسوله عدو للمسلمين أجمعين ولكن كيف وتحت أي ذريعة أو مسار يمكن أن يوصم إنسان مسلم أو غير مسلم بأنه عدو لله ورسوله. إن اللعب بمفاهيم إسلامية ذات قيمه عالية لدى المسلمين يجب أن يتوقف سواء من إيران أو من غيرها من الجماعات الإسلامية أو الصحوية والتي تحاول أن تدفع بكثير من الكيانات السياسية الإسلامية إلى أن تتبنى مواقفها التي لن تخرج عن سياق المادة الثانية من ذلك الدستور والتي ذكرتها في منتصف هذا المقال ، كما يجب عدم السماح لفرد بعينه أو منهج بذاته أن يحدد من هو عدو الله دون إجماع إسلامي وعبر مؤسسات دينية تمثل كل منهجيات وأفكار الإسلام وليس سياساته. الأزمة في إيران سوف تحمل الكثير من المسلمين وخاصة من أتباع المذهب الشيعي سواء في إيران أو خارجها إلى تفكير عميق حيث يجب أن لا تسوقهم تلك الاتهامات التي توزع بحجة(عداء الله ورسوله) على من يقود فكرة إصلاحية أو يطالب بفرض القوانين أو يحارب الفساد بجميع أشكاله. إن استخدام هذه الأفكار المضللة تنامى عبر تاريخنا القريب والبعيد نحن المسلمين وهذا بكل أسف ما حدث لنا بل هو احدى أزماتنا الكبرى عندما يستخدم الدين ومفاهيمه الراقية للتخلص من المقاومة الفكرية. على الجانب الآخر يجب التخلص من كل من يستخدم الدين لتحقيق مسار سياسي أو اجتماعي عبر استخدام المفاهيم الدينية لفرض سلوكه السياسي أو الاجتماعي على البشر. الكثير من قيادات الجماعات الإسلامية المتطرفة يصيبها الهلع عندما تسمع بمفاهيم العلمانية وتجيب عبر احتجاجها بأن قيما إسلامية راقية وتطبيقات للقانون والتشريعات كفيلة بان تكون جزءا من السياسة التي تطبقها الدول. لنحترم وجهة النظر هذه من جانبين الأول كوننا مسلمين ضد فكرة العلمانية ولو بشكل مؤقت إلى أن تتضح لنا حقائق فكرية حول هذا المفهوم قد تجعل منه متوافقا مع الكثير من مرئياتنا الإسلامية. الثاني أوجهه للمثقفين الذين يناقشون هذه القضية وأقول لهم دعونا نطرح هذا السؤال على أولئك الذين يصيبهم الهلع جراء سماعهم بكلمة علمانية لنقول لهم: من أعطى الجماعات الإسلامية المتطرفة والقيادات السياسية والحركات الإرهابية والصحوية حق تحديد من هم (أعداء الله ورسوله) وفرض سيطرتهم على المجتمع ومصادرة الأجساد والعقول المفكرة بطريقة مختلفة عنهم ..؟ الم يكن الإسلام ولازال أعظم الأديان في قبول الآخرين مهما كان مصدر فكرهم ..؟ نعم إذا كان الإسلام وهو كذلك قادر على أن يستوعب التكوينات السياسية ويديرها فهو أيضا رافض لاستخدام مفاهيمه الراقية وتحديد أعدائه في سبيل بناء تكوينات سياسية او جماعات فكرية متطرفة أو إرهابية. إن تاريخ الجماعات المتطرفة والتكوينات السياسية المختلفة التي استخدمت المفاهيم الإسلامية الراقية لتمرير مشروعاتها لم تصمد ولن تصمد طويلا فهاهي إيران تعصف في سمائها العاصفة الأخيرة والتي قد تقتلع جذورها لتعود إلى طبيعتها، لم يأت التشيع إلى إيران لأنه قام فيها ثورة فقد كان قبل الثورة بسنوات بل مئات السنوات ولم تتغير مفاهيمه بعد الثورة، فلم ينته المذهب الشيعي من إيران ولن ينتهي، سوى أن الثورة التي استخدمت الدين لتصعيد مسارها تعلن للعالم نهايتها مع العلم أنها بالكاد تكمل ثلاثة عقود من عمرها فهل نعي الدرس وتعيه الجماعات الإسلامية والمتطرفة وكل من يحاول صياغة مشروعه الفكري أو السياسي بهذه الطريقة؟