تعوّدنا في المملكة أن نقوم بمهماتنا الشخصية الخاصة بمصالحنا أو صحتنا أو عملنا، ونترك ما يسمى بمصلحة عامة على أنه من مسؤوليات الدولة.. نترك المشاركة في تحسين أوضاع الآخرين على أنه أيضاً أمرٌ من شؤون الدولة.. الدولة في الواقع قد طرحت مليارات هائلة لبناء مشروعات تتعلق بالمستقبل، ولو أرادت أن تقوم بمهمة الواجب.. مثلما هو واقع الحكومات في دول العالم الثالث.. لاتجهت بأموال محدودة لبناء مشروعات تتعلق بالحاضر لا أكثر، وهنا ستخفّض وبشكل هائل حجم الإنفاق المادي، لكنها في الواقع تضاعف مسؤولياتها لكي تضاعف مكتسبات المواطن، وبالذات أبناء الجيل القادم.. وهذا موقف بل سياسة البناء العلمي والحضاري والتقني والاجتماعي، لن تنسب إلا للملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي سيرد اسمه حتماً على لسان أو بين حروف أي كاتب أو متحدث لكيف أسست مشروعات التنوير الحضاري والتواجد التقني.. هذا معروف وليس هو الموضوع.. هل يترك المواطن القادر مادياً مسؤولية مشاركاته المادية لمن يحتاجها لأنه يعيش في مجتمع دولته غنية؟!.. هذا تبرير سيئ يعلن انعزالية الثروة.. فأمريكا مثلاً هي أغنى دولة في العالم، ومع ذلك فإن أغنياءها ومختلف شؤون قطاعها الخاص لهما حضورهما المنافس للدولة في دعم التعضيد الإنساني، ومساندة فئات المجتمع العاجزة.. لكن انعزال رجل الأعمال بمفاهيمه الخاصة والتي تجعله يكتفي بالزكاة، إذا كان يدفعها كاملة.. طبعاً هذا ليس تعميماً، لكن مَنْ يدفعون بسخاء ويخرجون عن هذا السياق هم عدد محدود جداً جداً.. لكن أليس من حقك أن تطرب عندما يأتي التأكيد شعبياً بأنك تنتمي إلى مجتمع يتوافر فيه الحس الإنساني، والبذل البدني والمادي من أصحاب قدرات محدودة.. محدودة جداً، فبعضهم طالب، والبعض الآخر موظف مستجد.. أي شباب.. أعني الذين ألّفوا تجمعاً أطلقوا عليه اسم «تعاطف».. بدأ بأربعة أشخاص، ثم عشرات، ثم مئات وتجاوز الآن الألفين.. وقد بذلوا جهوداً رائعة بدنياً ومادياً في مهام الإنقاذ والمساندة داخل جدة.. عروسنا الجميلة.. وحسناء إبداعنا الحضاري المبكر.. التجمع في حد ذاته منجز كبير يليق بمدينة باسمة ومشرقة مثل جدة.. أتصور أن «التعاطف» في حاجة إلى دعم «تعارف» كي ينتشر هذا الانتماء الإنساني، وكي يجد هؤلاء الشباب ما يستحقونه من تقدير.. هؤلاء بهذا المفهوم الرائع، هم في الحقيقة الجذور الخضراء لبناء المستقبل، وليست الأموال المتماوجة ما بين لندن ونيويورك وباريس والرياض وجدة..