"سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشباب وأسئلة النهضة
نشر في المدينة يوم 05 - 02 - 2010

ويعترض موضوع الإقلاع تحدي جوهري متعلق بموضوع الصبر. الشباب في غالب الأحوال لا يمتلك أداة الصبر. والصبر ضروري على الأقل لمدة ساعة. قبل الاقتراب من زحزحة هذين السؤالين الكبيرين. وليس ذلك غريبا على الشباب ولا على العصر أن ينتج هذا النمط من التفكير، بل إن التعليم المدرسي بات الآن يقدم كوجبات سريعة. فكيف بغيره؟ والغريب أن يصبح هذا النمط سائداً في اغلب قطاعات المجتمع وعلى جميع المستويات. فتجارب النهوض الكبرى من اليابان أو الصين أو الهند أو تركيا أو ماليزيا أو سنغافورة حاضرة للقراءة وجوهرها بنية تحترم هويتها الذاتية ولا تخاصمها. وعناية بالعلم والمشاركة فيه وعناية بالعمران طالت كل نظم الحياة. وبناء قدرات ذاتية للدفاع عن هذه المكتسبات، ولكن حين ننظر لتطبيقات التحرك للنهضة في المجتمعات العربية سنجد تشوهات كبيرة في المساحات الأربعة. سنجد كراهية للذات الحضارية وانتقاص مستمر من قوة الهوية. نجد نظرة للعلم قاصرة تضيفنا لقائمة المستهلكين للعلم لا المنتجين له فلا تعدوا علاقتنا بالعلم التبضع من معروضات الأمم الأخرى. نجد قصور في تطوير المنظومات القيمية المحروسة والمنظومات القيمية المرجعية وتطوير نظم الحياة معها والاكتفاء بعمران الحجارة والاسمنت. سنجد استقالة من بناء القوة الذاتية وتنميتها للدفاع عن أي مكتسبات والاستعاضة عنها بمنظومات هشة سرعان ما تتبخر عند أول اختبار. ولعل شيئا من ذلك راجع لاستسهال الحلول والاكتفاء بمقاربات سطحية لعمليات التحولات الكبرى. تقزم مفهوم التنمية وانظر كيف تقزم مفهوم التنمية البشرية عندنا ليصبح مفهوما يعتني بالمكملات على حساب الجوهر. انظر لبرامج التدريب التي تقدمها أغلب برامج التنمية البشرية في بلادنا ستجدها نسخا من برامج التدريب التي تقدم في أمريكا وأوربا، هي هناك عمليات صنفرة أخيرة لمنتج عقلي سهرت عليه مؤسسات البيت والمجتمع والإعلام والمدرسة، فصاحبنا هناك تم تركيب النظم المعرفية التي تناسب الدور الذي يحتاج أن يقوم به ويحتاج بعدها فقط لصقل المهارات فالأمر مفهوم. أما نحن فنعيش في بيئات فقيرة في مدخلاتها المعرفية ونتعرض بعدها للعالم الخارجي برياحه وأعاصيره فما ينقصنا ليس المهارات وحدها ولكن منظومة معرفية مركزة أولا ومن ثم تتويجها بالمهارات ...ولكن ككل شيء في حياتنا نترك الجوهر ونتمسك بالقشور (روح الاستسهال). ولندخل في صلب الموضوع. من السهل أن نقول للشباب هذه قائمة الواجبات، سدوا لنا هذه الثغور. ولن نعدم بعدها خلافاً: حول من حدد هذه الثغور؟ وعلى أي أساس تم تحديدها؟ وعلى ذلك يلزم عمل تحرز مسبق حتى لا نعود لنقطة الصفر في كل مرة؟! مشروعا كبيرا ولبيان ذلك نحتاج لتوضيح عدد من النقاط، وسنقدم لها بسؤال: ما الفرق بين الشاب الصيني والعربي اليوم في موضوع النهضة من ناحية التفكير والدافعية؟ ففي وضع الشاب الصيني هناك دولة قد حددت مشروعا كبيرا، مخططا عاما لمسارات عالم الأفكار وعالم العلاقات وعالم المشاريع، وعندها فالشاب المهتم بفكرة رفعة الأمة الصينية سيجد طريقة لتوظيف موهبته في داخل المشروع، ولن يسأل عن الجدوى لأنه يعلم أنه جزء من مشروع متكامل الأركان. نقطة الانطلاق والرؤية الكلية متوفرة للجميع وبالتالي لن يسأل أحد عن المعنى والغاية وهي الجزء الأهم في الدافعية والنشاط والتجويد والتحسين. أما شبابنا (القطاع الذي يفكر منه) من يطلق عليهم فئة المهتمين وهم عماد نهضات الأمم، فيجد نفسه أمام سؤال حائر: أين يجب أن أوظف طاقتي وأي المشاريع ستعني شيئاً لمسار لم تتحدد معالمه؟ وما الجدوى من العمل الفردي الجيد أو حتى المؤسسي الجيد في وسط غياب تام للمشروع الكلي الحاضن؟ هكذا يضيع المعنى بغياب المسار وتضطرب الصورة ويفقد الشباب فاعليته وقدرته على التجويد والتحسين والإبداع فهو دائما يتساءل (ما الجدوى؟) أو ما يقابلها باللهجة الدارجة. توفير المناخات لكن هل نهضات الأمم تمت فقط تمت باحتشاد الدول بشكل مركزي وتوفير المناخات الرائعة للعمل والإنتاج؟ هل هناك سيناريو آخر منتج وقابل للتطبيق يخرجنا من مسار الحيرة في غياب المشروع العام الذي تقدمه الدول أو ضعفه (فقد يكون هناك مشروع عام ولكنه ضعيف لم يتحول لقوة دافعة ومحركة للمجتمع. مشروع رهن الأدراج وليس مشروع تحريك عقول وطاقات) هذا هو المسار الذي يجب أن نكتشفه في هذه المرحلة من عمر الأمة ونستوضح معالمه. وهو ما سأتحدث عنه قبل الحديث عن قائمة المهام التي تنتظر أبطالها لأن قائمة المهام ستتعرض لذات السؤال (ما الجدوى) لو قيلت بدون مقدماتها! لو نظرنا في المسار الإسلامي سنجد مرحلته الأولى وهي مرحلة البذور التأسيسية للنهضة في مكة مرحلة حبلى بالأفكار التي شكلت افتتاحية العصر (اقرأ، القلم، انظر، تدبر، برهن، حاور مقولات الأقدمين ولا تقدسها، السببية، الترابط، الكون الذي يعرض نفسه للقراءة، مفهوم الكرامة الوجودية الإنسانية، مفهوم العدل، مفهوم الإحسان، مفهوم الشورى، مفهوم المساواة، مفهوم الجزاء، وامتد مفهوم الأمم ليشمل كل المخلوقات فكلها أمم وكلها لها حقوق) قائمة طويلة من الإصلاحات ضخت في المجتمع المكي ومن بعده المجتمع الإنساني في فترة قصيرة من الزمن، فكيف استقبلها هذا المجتمع؟ كلنا يعرف القصة والصراع عبر الثلاث عشرة سنة الأولى من المشروع، ولم تكن رحلة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ولا البخاري ولا الحارث المحاسبي ولا المعتزلة ولا الأشاعرة ولا جابر بن حيان ولا الرازي ولا ابن سنا ولا ابن تيمية ولا ابن الهيثم ولا ابن خلدون رحلة سهلة ولا ولدوا في عصور احتضنت إبداعاتهم وحددت وجهتها في مسار احتشاد تقوده الدولة (لم تكن قد ولدت بمفهومها المعاصر بعد)، فلكل من هؤلاء العظماء قصة ألم في عصره. هنا سنجد المبادرة الفردية أو شبه المؤسسية حاضرة وهي التي أعطت المعنى والروح للحضارة وهي التي بعثتها. بيئات صعبة ولو نظرنا لمسيرة التطور في أوربا من سقراط لروجر بيكون لكوبرونيكس لجاليليو ولديكارت و لسالوس للافاوزيه سنجد كل هذه الإبداعات والمساهمات الفردية تمت في بيئات صعبة، وكل هؤلاء ساهموا في صناعة النهضات في مجتمعاتهم في ظروف صعبة لم يكن هناك فيها خطة مركزية لإحداث التحولات ولكل منهم قصة الم في عصره رواها التاريخ. كانت أشبه بقطرات كل منها يضيف بعدا جديدا للحياة ويحدث زلزالا من نوع ما. موجات مد (سونامي) له ما بعده. إنها مبادرات صغيرة ومتوسطة وكبيرة ولكنها لم تصل لاحتشاد الدولة. دعونا نطلق على هذه المسارات التي تلعب فيها المبادرة التي لا ترعاها الدولة مباشرة (مسار التراكم ) وها قد رأينا نموذجين له من حضارتين مختلفتين. هو مسار فردي بامتياز (وعندما نقول فردي نقصد به ما دون الدولة وإلا قد يأخذ أي شكل ابتداء من الإنسان الفرد المبدع أو الفرد الذي ينشئ مؤسسة وبنية يقوم من خلالها بدور أو حتى مبادرة جزئية تتبناها الدولة من غير مسار كامل). يحتاج لرؤية ذلك هو أول المفاهيم التي يجب الاستيثاق من فهمها. هو إجابة على سؤال المسار الذي نتحرك فيه كأفراد (في غياب مشروع جامع مركز كالذي أنتجته الصين أو ماليزيا أو سنغافورة) وهو سؤال يلقي بعبء كبير على النخب وعلى الشباب. ولكنه مسار بناء وهو يحتاج لرؤية يتحدد من خلالها شكل المستقبل الذي يراد إنتاجه. أي المجتمعات نريد بناءه؟ وما الذي يعوق هذا المشهد من التبلور؟ وهذه الرؤية ستحدد لنا ما الذي يلزم استصحابه من التراث وما الذي يجب تركه. وحتى لا يطول بنا القول دعنا نتصور أن إجابة هذا السؤال حاضرة. نريد مجتمع مرجعيته محكمات الإسلام. نريده مجتمع الفضيلة والعلم. نريده مجتمع القانون والعدالة. نريده مجتمع الشورى. نريده مجتمعا له هوية مشترك في الإبداع العلمي. فيه نظم صالحة تحقق الكرامة الإنسانية للجميع، قادر على الدفاع عن نفسه. رؤية مثل هذه ستعني الكثير من المراجعات ولنأخذ نموذجاً واحداً نطل منه على حجم المهمة التي تنتظر الجميع وهي (نريد المجتمع العالم) في حال الإجابة بنعم على الرؤية السابقة. إنها ستعني مراجعة جذرية للتراث والتأكد من أن ما نتداوله اليوم منه لا يشكل خصما من فكرة المجتمع العالم، فلو فرضنا أن جزء من الوعي العام في التراث. أقول لو فرضنا ذلك. يقول أو يؤدي إلى التهوين من العلوم التطبيقية بأي شكل. أو يصادر فكرة السببية نصا أو روحاً. أو يجرم التساؤل ويطالب بالتسليم ألسكوني نصا أو روحا. أو يعلي من شان الأمية نصا أو روحا. أو يخلق مجتمعا يقوم بإرهاب المختلف فكريا لمجرد الاختلاف. عندها هل سنبحث عن تأويلات لمثل هذه الأقوال وسنبقيها في فضائنا الذي نصنعه أم سنعمل على تنقيته منها؟ تلك لعمري مهمة تحتاج للكثير من التجرد والإخلاص لله وللحقيقة. وهي تلقي بسؤال على الحاضر أيضاً. هل مساراتنا المعرفية اليوم تنتج لنا ما نريده من مجتمع العلم والمعرفة وهل نظمنا التربوية تحررت من التقليد التنميطي أم هي تعيد إنتاج التخلف في قوالب جديدة؟ ولو صادف إننا اكتشفنا ذلك؛ هل سنعمل على التغيير أم سنستمر في ذات المسار وقس ذلك على بقية المسارات التي تحتاج لتحرير على مستوى التراث الحي أو على مستوى الممارسة العملية. وهذه المهام كلها تحتاج من يتصدى له بل تحتاج لجيل من الكتاب والمفكرين وهي مهمة تنتظر الشباب بفارغ الصبر وليكن عنوانها (كن مشروعا) أو (كوِّن مشروعا) أو ( ادعم مشروعا). مهام لا حصر لها كن مشروعا: فهذا سيصبح علما في المجال التراثي. وهذا سيصبح علما في مجال العلوم الإنسانية. وهذا سيصبح علما في مجال العلوم التطبيقية. مسار يتفتح على مهام لا حصر لها. كل بطل سيصبح لسانا للمرحلة الجديدة افتتاحية عصر في مسار الأمة. لن يعيد تكرار ما قيل، بل سيفتح آفاق السؤال في قارات المعرفة يرتاد بنا صحاري لم تطأها إقدام وسماوات و وهاد وسفوح وكهوف. رواد في خارطة معرفية جديدة تمثل امتدادا وانقطاعا في ذات الوقت. وهل قصة الحضارة في جوهرها إلا قصة هؤلاء الذين لم ينتظروا إذنا من أحد ولا شهادة مرور أبطال اقتحموا العصر، نفذوا لروح الحضارة وتواصلوا معها وهي روح متمردة تقر بالصيرورة وليس بالنهايات. لا يأتي أحد بجديد إلا واتت بأحسن منه فكل حل هو بداية لسؤال وكل سؤال هو بداية لحل (أيكم أحسن عملا). الرؤية الكلية كوِّن مشروعا: ذات المهام يمكن أن تكون لها المشاريع وهو مستوى أكبر من الجهد الفردي هنا تنشأ المجموعات المبدعة والمؤسسات المبدعة، تتخصص وتغطي قدراً من الاحتياجات لا يمكن القيام بها بشكل فردي. وهي تغطي مساحات وجوانب الفكر والمال والاجتماع. إنها تعمل حيث تجد النقص وتعمل في حدود ممكناتها وتعمل من ضمن الرؤية الكلية التي تحدثنا عنها. وحسبها معرفة الرؤية ومعرفة المسار فهنا شخص سينشئ مركزا لبحث وهنا شخص سينشئ مؤسسة للتعليم النوعي وهنا شخص سينشئ مركزا للتدريب النوعي. وهنا شخص سيطور اختراعاً، وهنا شركة ستتبنى اختراعا وتوصله للسواق. وهنا مؤسسة لن تقف بالعمل الخيري عند سد حاجة المعوزين والبطون الجائعة. بل ستنقلهم من انعدام الفاعلية للفاعلية. روح جماعية ادعم مشروعا: وكل المشاريع تحتاج لروح جماعية من الدعم بالجهد والوقت والمال، ولكل دور في طريق التراكم النهضوي. فمن يستطيع العمل بمفرده له دور فليكن ومن يعمل مع غيره فليفعل ومن يستطيع أن يقدم الدعم لمن يعمل سواء كان فردا أو مجموعة فليفعل. هنا من يملك الفكرة سيقدمها ويحسبها نصيبه من التطوع ومن يستطيع تحويلها لمشروع سيحولها وهو نصيبه من التطوع ومن يستطيع تمويلها سيفعل وهو نصيبه من التطوع ومن يستطيع تسويقها. ومن يستطيع تطويرها. كل شيء قابل للتطوع وكل يزكي مما بلغ فيه النصاب. وهنا يأتي السؤال المعرقل.. هل سيتركوننا نعمل؟ حين نتأمل في السؤال يبدو مشهد مركب من نظرية المؤامرة ومن اللا منطق ومن فقدان الروح. أما نظرية المؤامرة فقد كرستها كتابات كثيرة جعلت الواقع يبدوا مستحيلا وهي بدل أن تفضح مخططات الخصم حولته لوحش لا يقبل الهزيمة. جدار مصمت من الذكاء والشر غير قابل للتحدي، جوهرها يقول (أنج بنفسك واترك العمل فالشباك والشراك لا يفلت منها أحد) هي سلاح اخترعه بعض الصالحين بحسن نية أو قل بسذاجة متناهية فأصبح هو أداة القعود وشكل من التهويل يقود للهلاك، ولكن قلب نظرية المؤامرة لو خففناها لحدود العقل هي أن الملعب ملئ بالمصالح المتناقضة وكل لاعب يخطط ويحتال
ليفوز فريقه. وهنا يدخل عنصر اللا منطق ليطالب بقية الفرق أن تسمح لنا بأن نسجل أهدافا في مرماها ونرجوها أن توقف لاعبيها من التسجيل في مرمانا. هل يمكن لفريق يفكر بهذه الطريقة إلا أن يكون هازلاً؟ وهل الدخول للحضارة يتم بالتسول وبهذه العقلية؟ هذه نظرة. والنظرة الأخرى نحن أشبه بمن لم يدخل الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة والماجستير والدكتوراه وهو قلق من أن لا يسمح له بأن يخوض فيما بعد الدكتوراه. من يمنعنا أن نمارس الذوق؟ من يمنعنا أن نحترم الاختلاف؟ من يمنعنا من أن نمارس النظافة؟ من يمنعنا أن نعتني بمدارسنا وجامعاتنا؟ من يمنعنا أن نحترم كرامة الإنسان؟ إن مهام النهوض الكبرى هي من الممكنات وليست من الأمور التي تستدعي القلق، ولكن اختلاط الأوراق يسمح لكثير من الأوهام المعطلة أن تمنع الانطلاق. أسماء وذكريات وأخيرا ماذا نفعل؟ على الأرض وفي واقع الحياة الواجبات تتشكل من خريطة واسعة من الأشياء التي نحتاجها وكم من الأشياء الجميلة في الإسلام تشهوت بفعل إفهام العصور حتى لم يبق منها إلا المسميات. أسماء وذكريات. هل نذكر (اقرأ) التي فتحت عقول البشرية كيف اعتراها الكلال عندنا وقتلت روحها وهي السؤال المفتوح على المعرفة والتي تجعل كل سؤال هو بداية جواب وكل جوار هو بداية سؤال. هل نذكر (وكلكم آتيه يوم القيامة فردى) كيف تم التصرف فيها حتى أصبح الانسياق وراء السائد دينا دون وعي بالمسؤولية الفردية. هل نذكر (ما كسبت يده) كيف يتم احتقار العمل اليدوي. هل نذكر قيمة العدل والحرية والمساواة والشورى وما آلت إليه في خير أمة. كيف انتصرت نظرية الجبر ونظرية فك الأسباب عن النتائج ففقد إنساننا فاعليته وخرج من التاريخ. كيف نمتلئ بالغرور وواقعنا يدعو للرثاء ويصدق فينا قول الشاعر (دع المكارم لا تذهب لبغيتها.. واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي) فمن تصحيح العقائد وتجديد النظر فيها مرورا بالعبادات وتفعيلها وتفعيل دورها الحضاري وتحديد القيم الحضارية المطلوبة سواء المرجعية منها والمحروسة وتجديد المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التعليمية والإعلامية والصحية والبنى التحتية وانتهاء بنظم الدفاع الاستراتيجي ومنظومات القوة المصاحبة لها كلها مهام تنتظر من يقوم بها. وبالتالي فكل جهد فكري أو مادي أي مترجم لمشاريع ملموسة فهو خير. ولكن يبقى السؤال: ما هي أولويات المرحلة؟ إن أول الأولويات للشباب تكمن في أمرين -في هذه المرحلة- وهما الفهم لأفكار النهضة الكبرى، والتبسيط والتمرير للشباب. كتلة من الشباب نحن نحتاج أن نشكل وعيا جديدا يسمح لأكبر كتلة من الشباب أن تتحول لرافعة للنهضة وهي مهمة ممكنة اليوم أكثر من أي يوم مضى. وبالتالي نحتاج فيها لرافعة وطاقات تحسن التلقي، وطاقات تحسن التبسيط والتحويل، وطاقات تحسن النقل والتوصيل. إن مشروع النهضة الحقيقي لا يكون حقيقياً إلا إذا عبر من بوابة الوعي. رؤية علمية مصقولة. وفهم للواقع مفكر فيه. وفهم للدين نقي كيوم أنزل. ومهارة في التعامل مع الواقع. تلك هي معادلة النجاح وتلك هي المهمة التي نحتاج الشباب فيها لأنها اللحظة التي تلتقي فيها أفكار النهضة مع الحساسية الجماهيرية وبالذات الشباب منهم ويتمثلوها ويكتشفوا إمكانياتهم وما أودعه الله فيهم من طاقات عندها يصبح طريق التراكم طريقا يقود للاحتشاد ومن بعده ندخل التاريخ. إنها اللحظة التي نكتشف فيها الدين الحق. •مفكر الإسلامي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.