لم أكن أتوقع الحضور الجماهيري والإعلامي الغفير في المتحف الملكي الأردني للفنون الجميلة مساء السبت الماضي عند افتتاح معرض " مساجد تشد لها الرحال " . فقد فاق الحضور توقعاتي بناء على معرفة مسبقة لطبيعة الحضور العربي للأعمال الفنية ، ولكن في هذا المعرض الذي اتى للعاصمة الأردنية احتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية وافتتحه صاحب فكرة هذا المعرض والذي يقف خلفه الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وزير التربية والتعليم وبحضور من الجانب الأردني ممثلا في الأميرة رجوة بنت علي ومعالي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ، ومعالي وزير التربية والتعليم وجمع غفير من المهتمين بالشأن الإسلامي ومتابعي الحركة الفنية والطلبة السعوديين . شارك في هذا المعرض عشرون فنانا من خمس عشرة دولة إسلامية كل واحد منهم رسم المساجد الثلاثة التي وردت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال الا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " . يلمس الزائر للمعرض حجم العمل الذي استغرقه كل فنان في إبراز المشاعر الدينية والتعبير الفني عن المقدسات الإسلامية بريشة الفنان . والذي بهرني أكثر أننا نتحدث بلغة الضاد فنقول ان من البيان لسحرا ، وهكذا سحرتنا الكلمة البليغة ولم نلتفت لأساليب التعبير الأخرى عن دفء مشاعرنا نحو مقدساتنا الإسلامية وما تحمله من مضامين إيمانية وإنسانية تفتح القلوب للتعرف على ديننا من الخارج ولنا من الداخل ؛ فالتعبير عن المقدس الإسلامي فنيا لم يأخذ حقه من دارسي الفن . الفن الآن أصبح وسيلة من وسائل الدبلوماسية الشعبية التي تربط الشعوب والثقافات . فما أعظم ان ترسم مساجدنا التي نفتخر بها رمزا معماريا لحضارتنا الإسلامية . انه تعبير فني بليغ جدا بريشة الفنان المبدع الذي يرينا زوايا إنسانية لم نكن نراها بعيوننا الإنسانية أيضا لذات المكان المقدس فهي زوايا مشاعر تعمق الرؤية الإيمانية لدى المؤمن وتفتح عين غير المسلم للتعرف على أماكن الإسلام المقدسة ؛ فرسالة رسول الله واضحة جدا في حديثه عن شد الرحال الى المساجد الثلاثة لأنها هي رموز وحدة المسلمين وعالمية رسالتهم ، وانفتاحهم على العالم . فهذه المساجد لم يبنها الرسول المصطفى وإنما المسجد النبوي فقط وبنى الأنبياء المسجد الحرام والمسجد الأقصى في رسالة عن وحدانية إلهية نقول فيها نحن المسلمين " آمنا بالله وكتبه ورسله ، لا نفرق بين احد من رسله " . وهنا تأتي أهمية مثل هذا المعرض نحو بناء رسالة تجسد إنسانية هذا الدين وإمكانية التعبير عن مقدساته ليس باللسان والبيان وإنما هناك الكثير من السبل مثل الفن والتصوير وغيرهما من سبل التعبير الإبداعي التي نحتاج كثيرا الى التفات إليها من اجل إبراز هذا الدين وتسامح أهله . كنت اعتقد خاطئا أنها رسالة يجب ان ترسل لغير المسلمين فأصبحت أكثر قناعة بان الحاجة ماسة لتذكير المسلمين بها لأن الذكرى تنفع المؤمنين . الفن رسالة يجب ان لا نقف كثيرا أمام اختلافات الرأي فيها وإنما الوقوف عند مكتسباتها لنا كأمة تسمو بذائقتها وتسمو في معمارها ورموز فنونها لأنها لا تخرج عن ما أوضحه الأمير فيصل في كلمته الافتتاحية للمعرض ان هذه المساجد هي رمز وحدة المسلمين وإليها تتجه أفئدتهم في العبادة . إن المعرض" تجمع فني إسلامي ليؤسس مدرسة جديدة في التعبير عن المقدس بروح الفن الإنساني الجميل فالله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال ، وهو انطلاقة لزوايا الفن الإسلامي المختلفة للتعبير للعالم في بناء تراكمي عن عظمة هذا الدين ودور أبنائه في بناء حضارة الكون الإيمانية والإنسانية " . فجميل ما قام به الأمير فيصل كواحد من أبناء هذه الأمة في إبراز رسالة الإسلام ووحدانية الرسالة فالذين زاروا المعرض في جدة والرباط والدار البيضاء والان في عمّان هم ليسوا من المسلمين فقط وإنما من غير المسلمين . فماذا يا ترى كان انطباعهم عن الإسلام ورسالته ؟ لا استطيع الإجابة ولعل احدا ان يتابع ذلك فهذا المعرض وجد ليستمر وتتراكم مشاركات الفنانين المسلمين ومدارسهم . بقي أن نعرف أن رسالة الفن جذابة للعين وللروح فلا ندعها تفوت علينا في بناء تقديم صورتنا ورسالتنا للعالم . ويكفيني أن احد الفنانين المشاركين شرح لي جوانب بناء الخط القرآني العربي والأشكال الإسلامية من حوله انها تتكون من الخط الذي هو جوهر العلم امتثالا لأمر الله " اقرأ" والزخارف النباتية من حول الخط كرمز للنماء والإشكال من حولها كرمز للتوازن الإلهي الجميل .فلا نجعل رسالتنا للداخل وللخارج تختل بفقدان عنصر من عناصر مثلث القوة والتوازن الجميل في خطنا العربي الذي سبقنا في الدخول الناعم والجميل الى بيوت ومعارض حتى غير المسلمين .