كما كان متوقعاً، لم ينجح التجميد المحدود للاستيطان في إعادة القيادة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات. وأوضح أن قرار إعطاء حوافز للمستوطنين في مستوطنات منعزلة لم يسهم في بناء الثقة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. نتنياهو يواصل السير على حبل دقيق بين التزامه بحل الدولتين وبين تطلعه لإرضاء المستوطنين وممثليهم في الليكود وفي الائتلاف. كذلك عباس يعيش ذات الحيرة بين رغبته في إنهاء الاحتلال وبين التخوف من التراجع عن مواقف مبدئية في مسائل حساسة مثل البناء اليهودي في شرقي القدس مما يخدم خصومه من حماس. في مقابلة مع آفي يسسخروف نشرت قبل أيام في "هآرتس" أشار عباس الى مخرج من هذه العقدة المزدوجة. وهو التجميد بشكل عملي للبناء في الضفة الغربية وفي شرقي القدس لمدة ستة أشهر دون الإعلان عن ذلك. وعلى أي حال فان حكومة إسرائيل ملزمة بقرار رسمي وعلني لحكومة ارئيل شارون في خريطة الطريق بالتجميد الكامل للبناء في المستوطنات (وبتفكيك البؤر الاستيطانية). وبتقدير عباس، فانه سيكون ممكنا في هذه الفترة الشروع في مفاوضات على التسوية الدائمة دون شروط مسبقة، باستثناء "الخريطة"، والتوصل الى اتفاق. وروى عباس بأنه طرح الاقتراح في مكالمتين هاتفيتين أجراهما مع وزير الدفاع ايهود باراك في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ولكنه لم يحظَ بجواب. إذا كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع يريدان حقا إنقاذ حل الدولتين ومنع انهيار القيادة الفلسطينية المؤيدة له، فان عليهما أن يستجيبا لاقتراح عباس. فالضرر الذي سيلحقه تخليد الجمود السياسي واعتزال زعيم براغماتي كعباس الساحة السياسية بالمصالح الإسرائيلية في المنطقة وفي الساحة الدولية اكبر بكثير من ثمن التجميد التام للبناء خلف الخط الأخضر لنصف سنة. الدرس المرير من فترة حكمهما السابق كان ينبغي أن يعلم نتنياهو وباراك بان اجر الزعيم الذي يحاول دفع التسوية السياسية الى الأمام، الحفاظ على مكانة إسرائيل في العالم ومصالحة رجال اليمين المتطرف في ذات الوقت يضيع هباء. وتباكيهما هذه المرة سينتهي بفقدان شريك هام للسلام وتسريع التدهور في العلاقات الخارجية لإسرائيل. افتتاحية هآرتس