أشعر بكثير من الحزن حينما أدخل بعض المتاحف المحلية .. يُذكرني بعضها بمطبخ قديم جلّ محتوياته المواعين ( إبريق مهشم ، وعاء نحاسي ، رحى ، قربة مهترئة ، زنبيل إلخ ... ) . أستعيد تاريخ هذا الوطن ، هذه الأرض الضاربة في أعماق التاريخ بكل حضاراتها فلا أجد ما يُشير إليها في هذه المتاحف ، وكأن كل ثروتنا من التراث والآثار لا يزيد على هذه الموجودات الهزيلة . في مصر استطاع زاهي حواس أن يسترد الكثير من الآثار المصرية القديمة ، وأعتقد أنه يبذل الآن جهدا خارقا لاسترداد رأس نفرتيتي الذي سُرق أو أخرج من هناك بطريقة غير شرعية عام 1913 م ، والصينيون من جانبهم يُطالبون باستعادة كنوز أثرية تعود لعهد الأباطرة الصينيين منها بعض الرؤوس البرونزية التي نهبها جنود بريطانيون وفرنسيون عام 1860 م عندما أحرقوا القصر الصيفي لأباطرة أسرة تشيننغ في بكين ، ودول كثيرة تفعل الشيء ذاته ، رغم أن اتفاقية حماية الآثار لا تعطي هذا الحق للآثار التي أخرجت من مواطنها الأصلية قبل العام 1982 م ، لكن هذا النظام لم يمنع تلك الدول من الإلحاح في طلب استرداد آثارها وبشتى الطرق .. لكننا لم نسمع ولو مرّة واحدة عن محاولة استرداد حجر تيما مثلا أو ما يُعرف ب( تيما ستيلا ) والذي نهبه المستشرق الفرنسي تشارلز هوبر في القرن الثامن عشر ، عندما اشتراه بثمن بخس ، حينما وجد أحد المزارعين يستخدمه كغطاء لفوهة بئر في إحدى المزارع ، وهو الآن في متحف اللوفر ، ويُعدّ أحد أهم أربع قطع أثرية للنقوش الساميّة ، حيث يؤرخ لدخول إحدى الديانات القديمة للمنطقة ، ومثله الآثار الإسلامية من العهد النبوي والراشدين والتي أُخذت أيام الحكم العثماني من المدينةالمنورة إلى استانبول . جميل جدا أن تقوم المملكة بإعادة عدد من القطع الأثرية المسروقة للمتحف العراقي كما حدث مؤخرا بعد ضبطها كمهرّبات مع بعض الوافدين بنيّة بيعها هنا ، وذلك التزاما باتفاقية حماية الممتلكات الثقافية ، وإعادتها إلى مصدرها الأصلي . لكن الأجمل لو بذلنا مجهودا أكبر في استرداد آثارنا كما يفعل الآخرون خارج نصوص الاتفاقية ، خاصة بعدما تنبهت دول الشرق إلى القيمة الثقافية لتلك الآثار ، وتوظيفها في إغناء العمل السياحي والذي أصبح أحد أهم موارد الدخل الوطني لمعظم الدول .. لذلك يبقى الأمل معلقا بالأمير المثقف سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بعد أن أصبحت الآثار جزءا من مسؤولياته ، لبناء ذراع مهنية واحترافية وتفاوضية من المختصين لاسترداد ولو بعض تلك القطع الأثرية التي هُجّرت من أرضها قسرا في عهود ما كان هنالك فيها من يعرف أو يُقدّر لتلك الآثار قيمة تذكر، لنعيد لبلادنا عمقها التاريخي بشواهده الناطقة ، بدلا من الاكتفاء بالتوقف عند التاريخ الشفهي لهذه البلاد كمهد لحضارات عريقة .