بهذه العبارة يتبادل بعض الناس العتاب للإشارة إلى فضل أحدهما على الآخر في حال جحود الطرف الآخر لذلك الفضل أو تناسيه أو عدم الاعتراف به جملة وتفصيلا. ولا يمنع أن يكون ذلك الفضل مجرد توهّم من صاحب العبارة وليس حقيقة ماثلة للعيان، وفي هذه الحال يكون التذكير بالفضل بمثابة ادّعاء ينسبه الشخص إلى ذاته بهدف إبراز القيم والقدرات التي يمتلكها ولم تجد مجالها الطبيعي للظهور بطريقة لائقة. والواقع أن الثقافة الشعبيّة لا تستحسن أن يقوم المرء بمدح نفسه ولا نسبة الفضل إليها حتى فيما هو حقيقي، وتجد في ذلك إسفافًا غير مقبول لأن الشخص الذي يفعل ذلك إنما يُذلّ نفسه ويضعها في موضع أقل؛ على اعتبار أن المدح ليس حقًا مكتسبًا للمرء بقدر ماهو تعبير من الناس عن شكرهم وامتنانهم لصاحب الفضل. ولهذا يقال في الأمثال: "مدّاح روحه، مالقى من يدوحه"، ويدوحه تعني يضربه بقوّة، والمقصود بذلك أن هذا الشخص لم يجد من يُوقفه عند حدّه ويكشف عن زيفه. ويقال كذلك للشخص الذي يُثني على نفسه ولايرى عيوبه: "كلن خزاه بعلباه"، ويقصد بالخزى العيب والخلل، والعلباء هي مؤخرة الرقبة التي لايستطيع المرء رؤيتها، والمراد من ذلك أن أخطاءنا مختفية عنّا ولانستطيع أحيانًا رؤيتها، مما يعني أننا مهما حرصنا على التميز، فإننا نظل محمّلين بهفوات وأخطاء نغفل عنها ولانراها. وهذا بدوره يقتضي عدم إطراء النفس والثناء عليها، ذلك أن الإطراء بحد ذاته يُثير ما يُضاده وهو وجود العيب الذي يستدعي في حالات كثيرة الذم. ولهذا، فليس مستغربًا أن يُستهجن الشخص الذي يثني على نفسه لدرجة تجعل الناس تتذكر مباشرة أخطاءه وتبحث عن زلاّته، وكأن ذلك ردة فعل طبيعية تقابل المدح. وليس شرطًا أن يكون الجمال ممثلا بالمديح هو الذي يُذكّر الناس بالقبح، بقدر ما يعني أن هناك رغبة في لفت انتباه هذا الشخص الذي يمجّد ذاته بأن ثمة وجهًا آخر مخفيًا عنه لكن الناس تراه! وبالعودة إلى عبارة "وش انت لولاي"، نلاحظ أنها تستخدم بشكل أوسع بين الأزواج وخاصة من الجيل الحديث. فنجد الزوجة في الغالب تبادر بتذكير زوجها بهذه العبارة حينما تتخاصم معه، أو تجد أنه قلّل من أهمية دورها، أو لم يُعلن عن قوّة تأثيرها في شخصيته، وكأنها بذلك تريد استعادته إليها والكشف عن أهميتها بالنسبة له. ورغم نبل الهدف الذي تسعى إليه إلا أن الوسيلة قد لاتكون مناسبة لتحقيق ذلك الهدف. والحقيقة أن هذا موقف ضعيف يجعلها تخسر كثيرًا من النقاط في العلاقة ولكنه يعطيها مبررًا نفسيًا يجلب لها الراحة لأنها حينذاك لاترى أخطاءها ولاتركز على جوانب التقصير في سلوكها. ولو تأملنا الفضل الذي تنسبه لنفسها لوجدناه يتمثل في مواقف مثل أن الزوج كان يدخّن وحينما تزوجته منعته من ذلك، وأنه كان سمينًا وبفضلها قام بالحمية وخفض وزنه، وأنه كان يسهر مع أصحابه وبسببها انقطع عنهم، ولم يكن يعمل إلا بدوام واحد ونتيجة لتشجيعها صار يعمل في أكثر من وظيفة ويؤدي أكثر من مهمة، وكان بليدًا يستغرق في النوم ونتيجة لها صار يصحو مبكرًا، وكان يضيع وقته في التوافه بمتابعة مسلسلات التلفزيون وملاحقة نشرات الأخبار ونتيجة لتوجيهها صار يتابع برامج الحيوانات وأسرار البحار والمباريات. وتخلص هذه الزوجة بأن هذا التأثير الذي أحدثته هو تأثير إيجابي في شخصية زوجها وترى أنها بذلك أعادته إلى جادة الصواب؛ ولولاها لظل منحرفًا وضالاً. وفي خضم هذا الاشتعال العاطفي، نجد أن الزوجة -بصرف النظر عن صحة موقفها من عدمه- قد غفلت عن شيء آخر يخصّ زوجها، وهو أنها لولاه لماتت. فهو الذي يُنفق عليها ويجلب لها الطعام والشراب، ولو انقطع عن هذا، لجاعت ثم هلكت. وهذه حقيقة غير مُتخيلة لأنها تكاد تكون غير حاصلة إلا في حالات نادرة؛ ولكن مجرد حصولها يعني أنها يمكن أن تحدث. والواقع أن هذا السلوك ليس مقصورًا على المرأة، وإن كان يظهر عندها بشكل أوضح منه عند الرجل بسبب الظروف الاجتماعية والثقافية التي تعيشها وتجعلها في موقف ضعيف لاتستطيع معه إلا أن تستجدي القوة ولو بالتوهّم. وحينما نتأمل شخصيات الرجال الذين تصل بهم الحال إلى استجداء تعاطف الناس معهم بمدح أنفسهم والتذكير بفضلهم نجد أنهم يمرّون بحالات نفسية صعبة، فقد يكون الرجل طاعنًا في السن وشعر أن الناس أهملوه، وقد يكون عزيز قوم ذلّ، وقد يكون الشخص صاحب قدرات محدودة لايحسن رؤية نفسه على اعتبار أن المرء كما يقول أبو الطيب المتنبي: ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لايرى