لا يفوتني في مقدمة هذا المقال الإشارة والإشادة بتجنب بلادنا العزيزة تلك الأزمات المالية والتدهورات الاقتصادية العالمية التي حلت بالدول الأخرى وذلك بفضل من الله ثم بالسياسة الاقتصادية الحكيمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أمد الله في عمره، إن ثبات الاقتصاد السعودي أمام الأزمات المالية والتحديّات الاقتصاديّة والهزات القوية التي طالت الأسواق المالية العالمية في الفترة الماضية والحالية جعلها الأقل تأثراً وذلك بسبب السياسات والأنظمة الاقتصادية الصلبة والحكيمة التي تتبعها حكومة المملكة العربية السعودية في دعم المصارف السعودية والمحافظة على خططها ومشاريعها التنمويّة بالإضافة إلى الاعتمادات والمخصصات التي تضمنتها ميزانية هذا العام 2009 م، كل ذلك يعدّ مؤشراً قوياً وحقيقياً على صلابة ومتانة الاقتصاد السعودي، حيث استطاعت المصارف السعودية الصمود ومواجهة الأزمات المالية العالمية ففي إشادة حديثة من رئيس شركة (مريل لنتش) ورئيس مجلس إدارة (بنك نيويورك) عن صمود الاقتصاد السعودي ومقاومته للأزمة الاقتصادية العالمية، أفادا ان اقتصاد المملكة العربية السعودية يعتبر أنموذجاً جيّداً نال تقدير واحترام خبراء المال والاقتصاد في جميع أنحاء العالم، وفي تحليل حديث لبيانات أكبر(50 بنكا) في دول مجلس التعاون الخليج العربي أظهرت البيانات أن تعرض المصارف السعودية للمخاطر الائتمانية كان قليلاٌ بالنسبة لمثيلاتها الخليجية والعالمية فعلى سبيل المثال فان درجة تعرض المصارف السعودية لمخاطر الانكشاف على قطاع العقار والإنشاء كان أقل من بقية الدول الخليجية فقد انخفضت ربحية جميع المصارف بشكل عام في دول مجلس التعاون الخليجي في نهاية عام 2008 والنصف الأول من عام 2009 بسبب أزمة الرهن العقاري كما أن البيانات المتاحة عن النصف الأول من عام 2009 تشير إلى أن الانخفاض في مستويات الربحية في المصارف السعودية كان أقل من معظم البنوك الخليجية والذي يرجع سببه إلى أثر الأزمة الشديد على تراجع مستويات أنشطة المصارف في القطاعات المرتفعة المخاطر مثل قطاع الإنشاء والعقار حيث تعتبر محافظ القروض لهذه المصارف مكشوفة بشكل كبير على القطاع العقاري خاصة في إمارة دبي ودولة قطر، وقد أضر الانخفاض الحاد في أسعار العقارات ببعض المصارف الخليجية بشدة، فعلى سبيل المثال فإن أغلب محافظ الاستثمار والائتمان في مصارف إمارة دبي تستثمر في قطاع العقار والإنشاء لذا عانت دبي من أكبر انخفاض سنوي في أسعار المساكن والذي أنخفض بمعدل %47.5 خلال الأشهر الماضية وفي السياق نفسه أدى التدهور الحاصل في البيئة الاقتصادية العالمية إلى انهيار الكثير من البنوك الدولية والتي تتهاوى في كل فترة خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث وصلت حالات الإفلاس فيها إلى أكثر من120 بنكاٌ حتى هذه اللحظة لكتابتي لهذا المقال وذلك بسبب استثماراتها في قطاع الرهن العقاري والمشتقات ، غير أنه لحسن الحظ لم يحصل إي حالة إفلاس بالنسبة للمصارف السعودية وكذلك المصارف في دول مجلس التعاون الخليجي وهو ما يعني ان المصارف السعودية والخليجية صمدت ضد هذه الأزمات المالية ولم تتأثر بالركود الاقتصادي بفضل من الله ثم بفضل الدعم الحكومي للقطاع المصرفي الذي ساعد على تخطي الأزمة المالية، وتسعى المصارف السعودية خلال الفترة المتبقية من العام الجاري لزيادة الاستثمارات للاحتفاظ بالأرباح على أمل العودة إلى النمو الاقتصادي في سنة 2010 حيث ان المصارف السعودية تعتبر أحد أسرع القطاعات نموا في العالم، فعلى سبيل المثال أحتل مصرف الراجحي السعودي أكبر مقرض مصرف خليجي من حيث القيمة السوقية في المنطقة المرتبة الأولى في قائمة أكبر 20 مصرفاً في دول مجلس التعاون الخليجي وتلاه بيت التمويل الكويتي في المرتبة الثانية وجاء بعده في المرتبة بنك دبي الإسلامي في المركز الثالث وتبعه بنك أبو ظبي الإسلامي حسب التقارير والبيانات المالية الوردة قبل نهاية عام 2009، ويتوقع من المصارف السعودية التعاون فيما بينها لفتح جميع أسواقها الائتمانية بموجب ضمانات عقارية ملموسة وموثقة وإعادة التدفقات النقدية بقوة والعمل على تنشيط الصناديق السيادية وخاصة صناديق الاستثمار التي تملك فيها الحكومة نسبة كبيرة وتحويل أصولها إلى حصصا استثمارية والتوسع في عمليات الإقراض إلى الشركات المنتجة للنفط والغاز وشركات البتروكيماويات والصناعات المتقدمة التي تلتزم وتفي بجميع عقودها ووعودها ، ويتوقع منها ان تسعى إلى إعادة جدولة محافظ القروض بالإضافة إلى الحد من الارتفاع الحاد من القروض المتعثرة ، كما يفترض التدخل الحكومي في الوقت المناسب وفي وقت الأزمات واتخاذ المزيد من القرارات النشيطة والمحفزة لمراجعة وعلاج المشاكل المصرفية عن طريق تعزيز الدعم الحكومي والإسراع بانتهاج سياسات مالية توسعية حتى تتفادى العجز المالي والاعتماد على فوائضها المالية لتواصل سياساتها المالية التوسعية بشأن تعزيز الإنفاق وإطلاق المشاريع التنموية وتنويع الاقتصاديات فيما يخص نوعية الاستثمارات الجديدة والتي يجب ان تركز على الاستثمارات المحلية خاصة في مجال الخدمات والقطاعات المالية والسياحة والصناعات الإنتاجية والزراعية ومنتجات جديدة وعدم الاعتماد على منتجات النفط والغاز فقط حتى يكون هناك توازن وصمود أمام الأزمات المالية المستقبلية، والله الموفق. مستشار مالي عضو جمعيه الاقتصاد السعودية