يمكن أن نصف الاقتصاد العالمي بشكل عام بأنه اقتصاد يخضع لمثلث متحرك وغير ثابت هو مثلث تقع على رؤوسه الثلاثة الذهب – الدولار – النفط. وتتغير قيمة الذهب بشكل واضح بتغير الأحداث العالمية، فالذهب ترمومتر حساس لما يحدث من تقلبات سياسية أو عواصف مالية أو أزمات مادية. وقد سجل الذهب خلال الفترة القريبة الماضية مستويات تاريخية من حيث أسعاره، بينما يتآكل سعر الدولار أمام بعض العملات الرئيسة بشكل واضح، بينما يكون سعر النفط في حدود 70 دولاراً خلال الشهور الماضية ... وهكذا نرى أن الدولار الذي يعد عملة الاحتياط العالمية يشهد أصعب فترة في مستواه السعري، ويعود ذلك إلى الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008م والتي دفعت الحكومة الأمريكية إلى ضخ كثير من الأموال لتحفيز النمو الاقتصادي، واحتواء الأزمة المالية، مما أضعف قوة الدولار، وجعل كثيراً من الحكومات لا تعتمد عليه في معاملاتها. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم في العالم، وأسهم كثيراً في العودة إلى سوق المعادن، وعلى رأسها معدن الذهب الذي يُعد أساس العملات الحقيقي، والذي يمكن أن يستوعب التضخم وبالتالي يحفظ قيمة الثروات. وهكذا نرى أن الصين والهند أقبلتا بشكل كبير على شراء الذهب، وذلك لأن هاتين الدولتين تمتلكان احتياطيات كبيرة من الدولار. ولذلك فإن شراء الذهب يشكل أساساً مهماً من أجل تنويع الاحتياطيات حتى يمكن تجنب تآكل عملة الدولار بصفة خاصة. إن العجز في الميزانية الأمريكية وصل إلى حوالي 10% من الناتج القومي الأمريكي، أي حوالي 1400 مليار دولار. ولاشك أن هذا العجز سوف يؤدي إلى مزيد من الضغط على الإنفاق بسبب الحاجة إلى تسديد فاتورة الديون المتزايدة، وانخفاض الضرائب والبطالة وإفلاس كثير من الشركات. ولذلك فإن عدداً من الدول النامية، ولاسيما روسيا وبعض الدول في شرق آسيا ترى ضرورة التخلي عن الدولار كعملة أساسية للاحتياط العالمي خلال السنوات القادمة. ويبدو أن كثيراً من هذه الدول تحاول أن تؤسس لاحتياطيات لا تعتمد على الدولار مما يؤدي إلى الاطمئنان على مصير اقتصاديات هذه الدول. أما النفط فإنه يراوح في مكانه منذ فترة غير قصيرة، حيث إن علاقة النفط بالاقتصاد العالمي هي علاقة مرهونة بعوامل الطلب عليه والتي تحددها حالة الاقتصاد العالمي، فالنفط سلعة ناضبة ومحركة لعجلة الاقتصاد العالمي. وقد رأينا ذلك في عام 2008م عندما وصل سعر برميل النفط إلى حوالي 147 دولاراً نتيجة لحاجة الأسواق العالمية إلى الكثير من هذه السلعة. والنفط مرتبط بشكل كبير بالنمو الاقتصادي بعكس الذهب فهل سيكون للذهب دور حاسم في تغيير صورة الاقتصاد العالمي بالرغم من أن الذهب عامل مهم للحفاظ على قيمة الثروات بدون عوائد مباشرة ؟!. إن الذهب – في اعتقادي – لن يسيطر على الاقتصاد العالمي على المدى الطويل، أما النفط فلا يمكن الاستغناء عنه خلال العقود القادمة لأنه السلعة الأساسية التي يعيش عليها العالم. ويظل الدولار عملة لا يمكن الحكم عليه إلا بإعادة التوازن للاقتصاد العالمي الذي ينتظر سلة من العملات القوية البديلة للدولار الذي ربما انتهى دوره ....!