عندما بنيت مدينة الجبيل الصناعية، شيدت في البداية القاعدة للمدينة، ومن زار الجبيل الصناعية ضمن وفد رسمي وأتيح له أن يجد مرافقاً للشرح سيبهر بطريقة بنائها، حيث أسست كل المرافق، شبكات التصريف الصحي،والكهرباء، وشبكات المياه.. ثم بنيت المدينة فوقها.. لكل حارة منافذ لهذه الشبكات حيث يسهل تصليح أي عطل.. وعلى حد علمي أنه تم اختيار مدينة الجبيل على ربوة، والجبيل نفسها أتى اسمها من ارتفاعها وهو تصغير لكلمة (جبل)، ومما يعرف عنها هواؤها النظيف نظراً لارتفاعها من جهة ومن جهة أخرى بحرها الذي كان نقياً جداً وكان يلطف الجو، لذا كانت ميناء وسكنتها عوائل تمارس التجارة.. ولعلنا نذكر كتاب المرحوم الأستاذ عبدالله المعجل، والذي هو قصة شخصية، لكنها تتحدث عن الجبيل قديماً وصولاً للحاضر.. لم نسمع عن الجبيل الصناعية ولا الجبيل الأصل أن حدث بها تسرب للمجاري ولا حتى تجمع للمياه، نظراً لظرف ارتفاعها من جهة وتخطيطها الجيد من جهة أخرى.. مثل الجبيل منطقة أرامكو السعودية وينبع.. كان لا بد من هذه المقدمة كي أصل لمدينة جدة ولبقية المدن السعودية من خلالها، وهو أن من أسس وعمل ونظم مدينة الجبيل ممكن أن يعمل وينظم ويؤسس للمدن الجديدة أو لملحقات المدن (إن صح التعبير).. حتى ولو كان من عمل هذه المدن وأسس لها هي شركات أجنبية، فلنا عقول إن لسبب أو آخر لم تبدع، فهي على الأقل تنفذ أو حتى تقلد ومن ثم تطور، وهذا ما فعلته العقول اليابانية قبل حوالي خمسين عاماً، حتى تفجرت فيها شرارات الإبداع في كل مجالاته. وهذه كوريا والصين وهونج كونج وسنغافورة وغيرها تتوهج على الدرب. ولنا أن نتساءل: ماذا عن مهندسينا المدنيين، ولمَ لا يستفاد منهم في تخطيط المدن والضواحي؟!! إن مأساة جدة مأساة قومية بكل معنى الكلمة، مأساة لأنها تبدو وكأنها جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد.. السماح في البناء على الوديان ومسار السيول، والسماح بالبناء قبل توفر المجاري، وقبلها البيع والشراء في هذه المناطق قبل توفير سبل السلامة.. والعجيب أن يقال أن الذي حدث، حدث بالعشوائيات.. كيف يمكن أن توجد عشوائيات في ثاني أكبر مدن مملكتنا؟؟ وأين الإشراف والمتابعة والحرص على حياة الناس وممتلكاتهم؟؟ يحق لخادم الحرمين الملك الغضب مما حدث ومعاقبة المتسببين، يحق له كأب حريص على وطنه وأرواح مواطنيه، وعليه يحق لنا أن نتساءل أيضاً عن كيف يمكن أن تكون المدن الصناعية بهذه الجودة والرقي، ومدننا الأخرى تعاني ما تعاني ولو من زخة مطر بسيطة أو من اشتعال شرارة، ولا ننسى حريق البطحاء وأموال الناس التي ذهبت أدراج الرياح.. عندما قال خادم الحرمين كلمته: (تعويض المتضررين، ومحاسبة المقصرين) هو يعبر عن صوت الوطن كله.. فالتعويض يداوي بعض جراح المتضررين، والمحاسبة تغلق الباب على من يحاول أن يتلاعب بأرواح الناس. وحتى تعود جدة غير!!